مفتاح
2024 . الخميس 25 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

كم من محمد بوعزيزي التونسي تحتاج الأنظمة المستبدة حتى تدرك غضب الجياع ثأرا لكرامتهم وكبريائهم وانتقاما من الآخرين بقتل أنفسهم حرقا..؟

وكم من فتى يانعا بعمر الورد مثل إيهاب أبو الندى الفتى الغزي من مخيم الشاطيء الذي قرر هو الآخر أن يضع حدا لحياته انتقاما ممن منعوه من أن يعتاش ويعيل أسرته من عمله بائعا متجولا بين أزقة المخيم المتهالكة ... حتى يدرك المستبدون فداحة ما فعلوه وما اقترفوه.. ولم تطل قوانينهم أمراء الأنفاق وسادة التهريب...؟

أخجل من نفسي ومن تخيل لحظة الحريق واشتعال النار في الجسد الطري وقد كتب إيهاب الشهيد وصيته معتذرا لوالديه عما فعله...

أخجل من نفسي وقد ضاقت على الفتى الصغير أرض غزة، وضيق المستبدون عليه وعلى أسرته سبل العيش الكريم حتى من بسطة متواضعة قد تدر على أسرته الفقيرة بضعة شواقل..

يا الله كم تضيق الصدور وتتحجر الدموع في المأقي ويتحول الحزن على الفتى الأغر إلى غضب وثورة ضد من قتلوه وأرغموه على الحريق...!

كم من مثل إيهاب يمكن أن يسقط على مذبح الكرامة وقد عز رغيف الخبز... ولم تجد العائلة ما يقيم أود أطفالها...؟

أخجل غاية الخجل وأنا أستحضر صورة والده سفيان أبو الندى رجل الإطفاء الذي عجز أن يطفئ اللهيب في جسد ولده المحترق والمشتعل بلا رحمة، وقد كان للرجل صولات وجولات في إطفاء حرائق أشعلها قصف العدو للبيوت الآمنة في الشاطئ وفي كل مخيمات القطاع...؟

كانت صلاة إياد الأخيرة في مسجد المخيم ظهيرة يوم الأحد صلاة الوادع الأخير، كأنه يعتذر للرب عن فعلته التي دبر لها في ليل بعد أن ضاق صدره برداءة الحال وضيق العيش.. !!

من يتحمل مسؤولية ما جرى لإيهاب...؟

ومن المسؤول عن محاولة مواطن من مخيم الفوار بمحافظة الخليل إحراق نفسه وقد ضاقت به الحياة لتعطله عن العمل وانضمامه إلى سوق البطالة...؟

هل نصمت ونظل مكتوفي الأيدي بينما شبابنا وقود النار والحجارة...؟!

من طارد بسطة إيهاب مسؤول كل المسؤولية عن مصير هذا الفتى... ألم يكن بمقدور المستبد أن يرأف بعائلة هذا الفتى قبل أن يقرر الرحيل مسكونا بهذا الغضب...؟

ومسؤول أيضا عن محاولة المواطن من الفوار قتل نفسه من لم يوفر لهذا المواطن فرصة للعمل بعد سنوات الاعتقال الطويلة... يا للكرامة حين تعصف بكبرياء الناس...!!

ألم تهتز عروشكم، أم أن تلك العروش أعمت بصيرتكم والبصيرة... فما عاد يضيركم احتراق الناس فرادى أو جماعات

إيهاب يا بوعزيزنا... يا كرامتنا المستباحة ... ويا شرارة الجياع الغاضبين الساخطين...!

لا تعتذر، فنحن أولى منك بالاعتذار إليك ولوالدك المكلوم وأمك الثكلى...

لا تعتذر، فدمك يغطي وجوهنا ويلطخ أيدينا في لحظة ندرك فيه عجزنا عن أن نسعف حروقا تلهب الروح بسياط الألم...

لن يفيد أسرتك المكلومة فتح تحقيق في ظروف وملابسات ما جرى...

ولن يفيدها إعلانك شهيدا، فقد أردناك حيا على الدوام... كما أرادك والداك... وكما تمناك كل الأصدقاء والأتراب في زقاق المخيم البائس...

أردناك على مقاعد الدرس تكمل رسالة العلم.. قبل أن تقرر ترك المقاعد أملا ششفي أن تعيل أسرتك وتكون عونا لوالدك الذي أثقله عبء العيش دون أن يشكو الحال لقريب أو بعيد، حتى صدق فيكم القول الكريم" تحسبهم أغنياء من التعفف..."

لا تعتذر أيها الملاك، فنحن أولى بالاعتذار منك إليك وقد أرهقنا رحيلك الصاخب على ألسنة اللهب...

إليك وحدك نعتذر خجلا من أنفسنا... ومن عجزنا ومن انشطار الروح وانقسامها...

نتذكرك عند بوابة المسجد في المخيم تحتضن بسطتك، وحين تطاردك البشمركة هناك تحتويك الأزقة... والروح المتعبة بالرحيل...

وبعد...،

هل استوعب أولو الأمر الرسالة من مظاهرات الجوع أمس... استيعابنا نحن لمأساة إيهاب وغيره، وقد يندفع أخرون نحو مصير لا نريده لهم بتاتا...؟

ليس بقتل النفس حرقا نوصل رسائلنا مدوية... وحراك الأمس والمستمر في قادم الأيام قد يحرك ساكنا، رغم إدراكنا أن واقع شعبنا الصعب حيث الحصار والابتزاز الإسرائيلي يحرمنا من مقومات الحياة.. ويجعل أي حكومة أو سلطة مهما أبدغت في إدارة الأزمة لن تفلح في جلب رغيف الخبز ومن قبل الرغيف كرامتنا المهراقة....!

وفيما نخشى اتساع الظاهرة واندفاع البعض نحو الموت حرقا أو خلافه... فإن دم إيهاب أمانة في أعناقنا جميعا... وآلام جسده المشتعل تحرقنا حتى بعد رحيله، فهل منا من يسائل القوم هناك: ماذا فعلتم بالفتى الجميل...؟

عذرا إيهاب يا وجع الروح واشتعالها... لك وحدك نعتذر عن عجزنا وعن صمتنا... وعن صحف وإذاعات وقنوات لم يتسع فضاؤها لمأساتك، فمضيت نحو حياتك الأخرى وقد تركت لوالديك وصيتك والاعتذار...

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required