"مروان البرغوثي هو حسب تقديري القائد القادم للفلسطينيين. أنا أقول انه لا يتوجب الشعور بالفزع، ومن الممكن التحدث عن امكانية اطلاق سراحه. أنا كنت لأفكر بذلك وأدرسه، فحسب رأيي هذه الخطوة مشروعة، حتى رغم ان هذا الشخص متهم بأمور ثقيلة وأنا لا أستخف بها".
وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعيزر صرح بهذا الموقف المفاجيء في مقابلة خاصة مع صحيفة "هآرتس". "البرغوثي مقابل شليط". يقول هذا الشخص الذي تنغرس فلسفته عميقا في عالم المصطلحات العسكرتارية والأمنية، والذي قاد نهج التصفيات والاغتيالات في ذروة انتفاضة الاقصى كوزير للدفاع ومن بينها تصفية صلاح شحادة، وهو نفس الشخص الذي اعتُقل البرغوثي خلال وجوده في وزارة الدفاع. صحيح انه لم يلقب البرغوثي بعد بـ "نلسون مانديلا الفلسطيني" كما فعل أوري افنيري، ولكنه يشير اليه كشريك ملائم وذي صلة لاحداث انطلاقة سياسية. البرغوثي بالتحديد المسجون في اسرائيل منذ 2002 ويقضي عقوبة من خمسة مؤبدات بتهمة قتل اسرائيليين في سلسلة عمليات كان قد أمر بتنفيذها عندما كان رئيسا للتنظيم في الضفة الغربية.
بن اليعيزر التقى البرغوثي في المرة الاولى في اواسط السبعينيات. حينئذ كان قائدا لمنطقة يهودا والسامرة ومسؤولا عن اعتقال البرغوثي البالغ من العمر 17 عاما ومن البارزين في شبيبة فتح. عندما اعتقل في 2002 قال البرغوثي للمحققين "إذهبوا الى فؤاد، فهو يعرف أنني أسعى الى السلام". الادراك بأن اطلاق سراح البرغوثي يمكن أن يفضي الى انطلاقة في العملية السياسية، تغلغل في رأس بن اليعيزر في الاشهر الاخيرة وقد أشرك رئيس الوزراء ووزير الدفاع في ذلك. "أنا لست من أصحاب الأفكار والاقتراحات العفوية"، يقول بن اليعيزر. "هناك نوع من الخوف السيكولوجي عندنا، والخشية من التحدث عن البرغوثي. أنا لست من هؤلاء. وأنا أخاف في المقابل من المستقبل الذي ننشئه لاطفالنا. يتوجب التحدث عن كل شيء وتدارس كل شيء ورؤية ما هو جيد لدولة اسرائيل. أنا أبحث عن الأمن قبل أي شيء آخر، وإن كان التحدث مع البرغوثي سيؤدي الى قيادته للفلسطينيين في اتجاه اخضاع حماس، فهذا هو المعيار".
رغم التوقيت وربما بسببه – ايام ما قبل قمة السلام في واشنطن حيث يعلن رئيس الوزراء اهود اولمرت بأن أبو مازن هو الشريك – يسعى بن اليعيزر الى اقتراح رؤية اخرى للقيادة الفلسطينية. "الجميع يتحدثون عن المفاوضات. ولكن من المسموح لي أن اسأل أولسنا نهرول حول حملة اخرى من الأوهام؟ منذ 1992 ونحن نجرب كل شيء، ولذلك يتوجب على أحد ما ان يسأل ما الذي حققناه حتى اليوم، ما الذي يوجد في أيدينا. يتوجب البحث عن حل خلاق". والبرغوثي يؤثر من سجنه في هداريم على كل المجريات الحاصلة في السلطة بما في ذلك قمة واشنطن، حسب رأي بن اليعيزر. "حسب رأيي نحن أمام مثلث يشمل أبو مازن وسلام فياض ومروان البرغوثي، سواء أردنا التحدث عن ذلك أم لا. أنا أقول هذا هنا بصورة واضحة، وهذا هو المثلث القائم من وجهة نظرنا ومن الواجب اطلاق سراح ضلعه الثالثة. ولا يتوجب على أحد أن يفكر بأن أي شيء يمكن أن يحدث من دون البرغوثي".
"البرغوثي حسب تقديري هو في الواقع الضلع الأصلب، والذي يحظى ايضا بالكثير من التعاطف والاحترام، ليس فقط بسبب حقيقة وجوده في السجن، وانما بسبب كونه أنقى من الجميع، كما يُقال بالعامية. هذا لا يلغي حقيقة أن هذا الشخص محكوم بالسجن المؤبد، ولكن يتوجب أن نذكر ايضا أننا هنا أمام قائد يحظر الاستخفاف به، ويتوجب الاصغاء اليه حتى وهو سجين. هو ايضا القائد الوحيد الذي تكن له حماس الكثير من الاحترام، وأنا اتجرأ حتى على القول بأن حماس تبدي بعض الخشية منه".
- البرغوثي اذا هو أملنا.
+ أنا أعرف أن من الصعب جدا قول هذه الامور. ولكن كوني رجل أمن تحديدا، أنا اقول أن علينا أن ننظر لعشر سنوات الى الأمام وأن نسأل أنفسنا الى أي وقت يمكن لنا أن نبقي اولادنا في هذا الوضع حيث يخدمون خمسين يوم احتياط في السنة، والى متى سنبقى نهدر كل ما لدينا على الأمن. اذا كنا قد تفاوضنا مع ياسر عرفات الذي اعتبر كبير قتلة اسرائيل، يتوجب النظر الى البرغوثي باهتمام ايضا وهو سجين وتدارس كيفية اجراء الحوار معه وكيفية ايجاد الثغرة حتى تجري العملية السياسية عبره ايضا. أنا لا أستبعد أي شيء.
- بالنسبة لفك الارتباط فقد فشل ولاسرائيل اسهامها في ذلك.
+ اجل. فك الارتباط افتقد الى عنصر واحد: موافقة الطرف الآخر. أي أن يكون لديك من تسلمه هذا الامر، وأن تكون لديك ضمانات دولية. النهج أحادي الجانب هو أمر يحظر تكراره فقد برهن على عدم صحته. أنا اقول ذلك من خلال تجربتي كشخص أيد هذا النهج وتبين له انه خاطيء. نحن شعب دمر بيديه عشرات المستوطنات. أخرجنا من هناك آلاف الاشخاص، ونظرنا الى اطفالنا الذين سألونا اسئلة صعبة جدا، فقلنا لهم أن هذا من اجل منع سفك الدماء وضمان الهدوء والتعايش واختيار بديل آخر غير خيار القتل والدم. وها نحن نستيقظ في الواقع على واقع أشد مرارة.
- ربما يتوجب شن عملية عسكرية.
+ أنا أعارض ذلك، هذا يتوجب أن يكون البديل الأخير المتاح. عندما تدخل الى قطاع غزة، أنت تعرف كيف تدخل ولكنك لا تعرف كيف ستخرج. أنت تدخل الى بيضة، وهي بيضة مؤلمة، وأنت تدفع ثمنا من جراء ذلك من دون أن يكون لك أي تأكيد بأنهم لن يواصلوا اطلاق النار من هناك على سدروت.
- فما الذي تقترحه اذا؟
+ علينا أن نسعى الى ايقاف هذا الأمر. أن نلمس الامور التي تتعلق بالسكان المدنيين انفسهم. ليس لدينا خيار. ليست هناك دولة في العالم توافق بأن تكون محطة الطاقة التي تمدهم بالكهرباء هي نفس المحطة التي تكون هدفا للقصف. ليس هناك وضع تقوم فيه باطلاق النار على أنبوب الماء الذي أمدك من خلاله بالماء. ولا يعقل أن يكون هناك مكان في دولة مهدد بالصواريخ صبح مساء وأن يبقى قادة هذه الدولة مكتوفي الأيدي.
بن اليعيزر ينظر الى تحركات اولمرت السياسية الحالية من دون حماسة زائدة، رغم انه يؤيد العملية السياسية والحوار، ولكنه يتوخى الحذر في ذلك لانه لا يريد حسب قوله أن يطمس الواقع، ولا يرغب في الندم عندما نفيق ونجد صواريخ القسام وهي تسقط على مطاراتنا.
وعلى الرغم من ذلك لديه توقعات سياسية هادئة بدرجة كافية: هو لا يتوقع الانتخابات قريبا، رغم تقرير فينوغراد. في كل الاحوال ليس هناك في نظره تبرير لحل الحكومة في الوقت الذي توضع فيه على المحك قضايا أمنية حاسمة ومصيرية. بن اليعيزر يقول عن حرب لبنان الثانية انه ليس لديه أي شك بأن نتائج هذه الحرب قد دفعت سوريا الى رفع رأسها وعززت من موقف الايرانيين، ولذلك يشعر بالسعادة لان اشكنازي هو رئيس هيئة الاركان وبراك في وزارة الدفاع. "أنا أنام جيدا في الليل، فهناك فرق بين صيف 2006 و2007".
- اذا أنت تقول أن عمير بيرتس قد ألحق الضرر بأمن الدولة.
+ أنا لا أوجه انتقاداتي لأي أحد. أنا اعتقد انه لو اختار عمير بيرتس ملفا اجتماعيا لكان قد بقي على رأس الحزب بكل اعتزاز حتى اليوم. ولكنه اختار ما اختاره وأنا لا استطيع أن أوجه الادعاءات لان رئيس الوزراء ووزير الدفاع كانا مفتقدين للخلفية الأمنية في آن واحد. هذا يشبه مطالبتي الآن بأن أكون قائدا لسلاح البحرية مع أنني لا أعرف السباحة حتى.
- هل تعتقد أن هناك احتمالية لنشوب حرب في هذه السنة؟
+ نحن نبذل قصارى جهدنا لمنع الحرب القادمة، ولكننا نتعامل مع قواعد لسنا على تماس دائم معها. لقد قلنا دائما بأن علينا الاستعداد على طول الحدود. نحن نلعب الآن بوسائل اخرى. هذا من دون أن نتطرق للتهديد الايراني الذي يستوجب معاملة مختلفة. ايران ليست فقط تهديدا لاسرائيل وانما للعالم العربي المعتدل ايضا. ما من شك أن احمدي نجاد لن يخصص القنبلة النووية لاسرائيل وحدها. صحيح أنه يصرح صبح مساء بأن صواريخه وقنابله موجهة لاسرائيل، ولكن ما من شك أن اوروبا في دائرة الاستهداف ايضا. ولكن اوروبا، ويا للغرابة، ما زالت تلعب لعبتها المزدوجة، فهي تصرح تصريحات مناهضة لنجاد، ولكنها تواصل تجارتها معه من الناحية الاخرى وكأن شيئا لم يحدث. والامر الأكثر اثارة للذهول هو أن احمدي نجاد قد أدرك الضعف الاوروبي في الواقع وهو يلعب في الملعب الذي يعرف انهم ضعفاء فيه. ليس هناك شيء غير الكلام. لذلك من المهم أن نكون مستقلين في قضايانا الأمنية.
- براك وعد بالعمل على تقديم موعد الانتخابات بعد صدور تقرير فينوغراد النهائي.
+ سنسمع ونقرأ ما سيقوله فينوغراد. اذا أردتم رأيي، فقصة فينوغراد ستستغرق أشهرا كثيرة اخرى. بعد أن تقرر ارسال كتب تحذيرية أصبحت المسألة بحاجة الى وقت كثير. هذه الحكومة لن تسقط قريبا، ولا أرى حاجة الى اسقاطها، ولا اعتقد أن أحدا سيحب هذه الفكرة، على الأقل ليس خلال السنة الحالية. قوة هذا الائتلاف تكمن في ضعف عناصره، ولا اعتقد أن ليبرمان أو شاس سيتركون الحكومة، وأنا متأكد أن بيبي كان سيتحرق شوقا للدخول اليها.
- هل تؤيد دخوله؟
+ لا أرى انه سيضيف شيئا. هو غريب جدا كرئيس للمعارضة. من جانب واحد أنا على قناعة أنه يريد جدا الدخول، ومن الناحية الاخرى هو يوجه الانتقادات كل يوم. أنا لا أعرف ما الذي يريده. الامر الواضح هو انه لا توجد حكومة من دون حزب العمل، ومخطيء من يعتقد أن بيبي سيدخل اذا خرجنا – هو سيسارع الى الانتخابات. وأغودات يسرائيل ايضا لن تدخل.
بن اليعيزر ايضا يرى في دخول عامي ايلون للحكومة مؤشرا على استمراريتها. ليس هناك حب كبير بينه وبين ايلون، فهو لا ينسى له انه اتهمه بكل المساويء الموجودة في حزب العمل، ولكنه يدع هذه الامور جانبا في الوقت الحاضر، ويعبر عن سروره لانضمامه الى الحكومة.
- هل غفرت له؟
+ أنا لست غاضبا، فقد تعلمت في السياسة أمرين، اولا، لا ضغينة ضد أي أحد، وفي المقابل هناك ذاكرة طويلة فأنا لا أنسى الاشيءا.
- وعمير بيرتس؟
+ اعتقد انه اخطأ خطأ كبيرا جدا. اهود براك مد له يده. أنا اعتقد انه اذا وقف عمير بيرتس مع حقيقته الداخلية فليس بامكانه أن يوجه الادعاءات ضد براك. أنا أعرف أن لعمير بيرتس وعامي ايلون خططا كبيرة جدا لو أن عامي انتُخب: تنظيف الساحة وإخراجنا من الحكومة.
