بمصادقتها على قرار السلطات العسكرية إبعاد الشقيقين انتصار وكفاح العجوري من الضفة إلى قطاع غزة، يوم 3 أيلول، تكون المحكمة العليا الإسرائيلية قد ارتكبت مخالفة قانونية قد تعرض قضاتها للمحاكمة مستقبلاً بتهمة تشريع جريمة حرب.

وقد قوبل القرار الذي اتخذته أعلى هيئة قضائية في الدولة العبرية بعاصفة من الانتقادات المحلية والعالمية أبرزها موقف زعيم المعارضة يوسي سريد الذي وصف القرار بأنه: "محاولة من المحكمة لحماية السلطات السياسية والعسكرية من أية محاكمات مستقبلية أمام محكمة الجنايات الدولية".

ويقول خبراء القانون الدولي بأن المحكمة التي اتخذت قراراها بعد مداولات استمرت أكثر من عشرين يوماً حاولت الوقوف في الوسط لكن ذلك جاء على حساب القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.

وقال الدكتور عبد الله أبو عيد المحاضر أستاذ القانون الدولي: "هذا القرار يناقض القواعد العرفية والاتفاقات الآمرة في القانون الدولي التي تحظر الإبعاد القسري لسكان الأقاليم المحتلة إلى أي مكان آخر داخل الإقليم المحتل نفسه أو خارجه".

وأضاف يقول: "المادة 49 من معاهدة جنيف الرابعة تنص على حظر أي نقل جبري جماعي أو فردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من أراضي محتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو أراض دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه".

وقد حاولت المحكمة العليا الإسرائيلية تسويغ قراراها بالإشارة إلى أن إبعاد الشقيقين عجوري يجري من جزء إلى آخر في الإقليم نفسه، وهو ما يرفضه خبراء القانون الدولي.

وقال أبو عيد: "الحالة الوحيدة التي تجيز فيها المعاهدة النقل داخل نفس الإقليم تشترط أن يكون ذلك خلال عمليات حربية وبهدف حماية المدنيين من آثار الحرب وليس معاقبتهم".

وتنص معاهدة جنيف الرابعة والبروتوكول الأول الملحق بالمعاهدة على اعتبار الإبعاد من ضمن المخالفات الخطيرة.

ويشير أبو عيد إلى أن المحكمة الجنائية الدولية اعتبرت في نظامها الأساسي الإبعاد القسري جريمة حرب، وأنها اعتبرته في مادة أخرى من ذات النظام جريمة ضد الإنسانية إذا اتخذ على نطاق واسعة ونهجي ومتكرر.

وكانت قوات الاحتلال اعتقلت شقيقي علي العجوري، انتصار (34 عاماً) وهي صيدلانية وكفاح (29 عاماً) تباعاً في شهري أيار وتموز الماضيين، وهدمت منزل أسرتهما المؤلف من ثلاث طبقات في مخيم عسكر الجديد.

كما اعتقلت والدهم البالغ من العمر 75 عاماً لعدة أيام، ثم أفرجت عنه لسوء وضعه الصحي.

وجاء اعتقال أفراد العائلة وهدم منزلهم ضمن حملة ضغط شنتها السلطات على نشطاء الأجنحة العسكرية.

وشملت الحملة هدم بيوت وإبعاد أفراد من أسر هؤلاء النشطاء.

وقد صادقت المحكمة العليا على قرار هدم بيوت المطاردين وقبلت قرار الجيش القاضي بعد إبلاغ أصحاب البيوت بصورة مسبقة عن قرارات هدمها.

ويوم الثلاثاء 3 أيلول وافقت المحكمة على قرار الإبعاد إلى قطاع غزة.

ويكاد تاريخ هذه المحكمة يكون مليئاً بالقرارات المعادية للفلسطينيين والمحابية لإجراءات السلطات العسكرية التعسفية بحقهم.

فقد شرعت المحكمة قرارات إبعاد آلاف الفلسطينيين خارج الوطن منذ الاحتلال عام 67، ومن بينها عملية الإبعاد التي شملت 415 فلسطينياً إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني عام 92.

وشرعت أيضاً سياسة هدم البيوت لأسباب إدارية وأمنية، وشرعت الاعتقال الإداري لسنوات طويلة دون محاكمة ومصادرة الأراضي لغايات الاستيطان والاغتيال وغيرها.

وكان لقرار المصادقة على إبعاد الشقيقين عجوري وقع الصاعقة على أ سرتهم في مخيم عسكر.

وقالت والدتهم رشيدة عجوري (64 عاماً): "لماذا يبعدون انتصار وكفاح هل اعتقلوهما وهما على ظهر دبابة يقصفان المدنيين العزل، أم على ظهر جرافة وهما يهدمان المنازل".

وتساءلت الوالدة بمرارة وحرقة قائلة: "لماذا يبعدونهما بعد أن قتلوا علي، أم تراهم يريدون الانتقام منه وهو في القبر".

وكانت قوات الاحتلال اغتالت علي العجوري وزميل له أثناء انتقالهما من قرية جبع إلى قرية مجاورة خلال الليل الشهر الماضي.

لكن اغتياله لم يوقف الإجراءات التي بدأتها السلطات لإبعاد شقيقته وشقيقه إلى غزة.

ولم تأخذ المحكمة بعين الاعتبار هذه الحقيقية في مداولاتها وهو ما كان محط انتقاد الجهات والشخصيات القانونية التي اعتبرتها من إجراءات العقاب الجماعي المجحف بحق الفلسطينيين.

ولا يستبعد المختصون في القانون الدولي أن يتعرض مسؤولون إسرائيليون للمحاكمة في محاكم دولية مستقبلاً بتهمة ارتكاب جرائم حرب بمن فيهم قضاة يشرعون هذه الجرائم.

ورغم أن محكمة جرائم الحرب الدولية ليست مخولة في الوقت الحالي للنظر في قضايا ضد مسؤولين إسرائيليين لعدم عضوية إسرائيل فيها إلا أن الإسرائيليين لا يخفون تخوفهم من التعرض لمحاكمات من هذا النوع مستقبلاً.

فثمة دول تقر قوانينها محاكمة مجرمي حرب أجانب مثل بلجيكا وغيرها.

وثمة بند في معاهدة تأسيس محكمة جرائم الحرب الدولية ينص على حق المدعي العام أو مجلس الأمن في التقدم بشكاوى بهذا الشأن في حال توفرت لديه بيانات وأدلة قوية حول تورط أشخاص أو جهات معينة بجرائم حرب.