مهمة أبو مازن رئيساً فلسطينياً للوزراء صعبة جداً والظروف التي تحيط بها من بداياتها على المستويين الفلسطيني والاميركي الاسرائيلي تزيدها صعوبة وخطورة.

والمهمة واضحة: وقف الانتفاضة. وباللغة الاميركية والاسرائيلية "مكافحة الارهاب". وعلى نجاحه يعتمد نجاح "خريطة الطريق" كما قال الوزير كولن باول واستعداد ارييل شارون للتعاون في المراحل الاخيرة من هذه "الخريطة".

ولا يكفي لنجاح أبو مازن ان تكون الوساطة المصرية بينه وبين الرئيس ياسر عرفات نجحت في ايصال الضغوط الاميركية الى نتيجتها المطلوبة اي قبول عرفات بشروط ابو مازن واظهاره مهزوماً امام رئيس وزراء منتصر.

ولا يكفي ابو مازن ايضاً ان تكون واشنطن سارعت بعيد ذلك الى التعامل مع عرفات وكأنه غير موجود، فوجه اليه الرئيس جورج بوش دعوة الى واشنطن حرص على التأكيد فيها انها لا تشمل عرفات ووجهت وزارة الخارجية الاميركية نداء الى الحكومات الاوروبية لوقف التعامل مع عرفات و"لافهامه" انه لم يعد مسؤولاً. كما لا يكفيه ان يكون شارون رحب به "شخصية على رأس الفلسطينيين تريد وقف الارهاب وتحقيق السلام".

الواقع ان كل هذه أمور لا تصب في خدمة أبو مازن على المستوى الفلسطيني، خصوصاً ان الاختبار الاول له اميركياً واسرائيلياً هو اثبات قدرته على الحسم السريع في وقف الانتفاضة. باول قال انه يعقد الامل على جهود أبو مازن والوزير محمد دحلان لان "الامر مرتبط بتوقف عمليات العنف والارهاب سواء تعلق الامر بخريطة الطريق أم بخطط اخرى"، وشارون اعتبر ان "محاربة الارهاب" هي مجرد "خطوة صغيرة" مطلوبة من حكومة أبو مازن. ولم يفت اسرائىل بعد عملية كفارسابا في اليوم التالي لحل مشكلة الحكومة الفلسطينية ان تلفت أبو مازن الى ان "الخطأ الاول الذي يمكن ان يرتكبه (في مكافحة الارهاب) هو التفاوض مع حماس والجهاد الاسلامي". ويضاف الى المؤشرات الاسرائيلية لعدم تسهيل مهمته، الحملة الموازية التي يشنها صقور وزارة الدفاع الاميركية وليكوديو الكونغرس لنسف "خريطة الطريق" من أساسها.

ومع ذلك فان التحدي الأهم الذي يواجهه ابو مازن ليس اجتياز الاختبار الاول الاميركي له بقدر ما هو تمتين وضعه فلسطينياً. فأبو مازن ليس قرضاي فلسطين ولا احتمال جلبي فلسطيني ويصعب ان يكون كذلك وتخطئ اميركا ان تعاملت معه على هذا الاساس. شرعيته الفلسطينية قائمة، ولكن بعدما صار مطلباً اميركياً على رغم اعتراف باول بان "السيد عرفات حاصل على عقول الشعب الفلسطيني وقلوبه"، وصار موضع ترحيب اسرائيلي، باتت هذه الشرعية تحت المجهر ان لم نقل عرضة لشكوك كبيرة. والتحدي الذي يواجهه هو اعادة تأكيد شرعيته الفلسطينية مما سيسهل اجتيازه الاختبار الاول. وهذا يتطلب انتزاع تنازل، مطلب فلسطيني ما، من الاسرائيليين يثبت للفلسطينيين صدقية مشروع "الخريطة" والحكومة. ومع ان هذا يعتمد في الدرجة الاساسية على استعدادات واشنطن واسرائيل فانه يتطلب من ابو مازن أيضاً درجة من الحزم والاصرار في التفاوض، خصوصاً ان تلك الاستعدادات لا تزال حتى الآن سؤالاً مفتوحاً.