بعد كل هذه السيطرة لن يتبقى للفلسطينيين إلا جزء يسير من أرضهم وهو أقل بكثير مما هو مطروح في خطة خارطة الطريق الهادفة لإقامة دولة فلسطينية تتمتع بحدود متواصلة وقابلة للحياة رغم إن هذه الخطة لا تمثل خيار الفلسطينيين ولا برنامجهم الوطني بقدر ما هي الخيار الأقل سوء الذي قبلوا فيه في ظل المعادلة الدولية والإقليمية الناشئة بعد غزو العراق واحتلاله.

وبالتالي يمكن تلخيص الأهداف الإسرائيلية من وراء إقامة الجدار بما يلي:

1. ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية بدون سكانها إلى إسرائيل بشكل نهائي.

2. منع إقامة أي كيان سيادي فلسطينية على الأرض الفلسطينية.

3. ضم الكثير من المستوطنات القريبة أصلا من الخط الأخضر إلى إسرائيل بدل تفكيكها وإنهاء وجودها.

4. العمل على خلق بؤر بين إسرائيل والدول العربية المجاورة تستخدمها لخلق حالات من التوتر بهدف التوسع على حساب أراضى تلك الدول تحقيقا لأهدافها التوسعية وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.

5. خلق وقائع مادية ملموسة على الأرض لتستخدمها في أي مفاوضات قادمة للحل النهائي، بحيث لا يمكن لأي طرف إمكانية التغيير في تلك الوقائع أو استبدالها، ومنهم الفلسطينيون الذين سيكون من الصعب عليهم رسم معالم الدولة الفلسطينية بشكل منفرد، كما ستستخدم إسرائيل خطة الفصل كخطوة رد غير دراماتيكية في حال حاول الفلسطينيون إعلان دولتهم من جانب واحد.

6. ضمان إسرائيل سيطرتها التامة على عبور الأشخاص والبضائع سواء على المعابر بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية أو تلك المعابر على الحدود مع الدول الأخرى.

والتساؤل المهم الذي يبرز هنا، فيما إذا أنجزت كافة مراحل الجدار، ماذا ستكون طبيعة السيناريوهات السياسية بعد ذلك في الوقت الذي تكون فيه إسرائيل ثبتت على الأرض وضمن سياسة الأمر الواقع جميع خططها وتصوراتها للمستقبل، وتكون بذلك قد حددت معالم الدولة الفلسطينية المستقبلية بشكل منفرد، كما وتكون حددت للفلسطينيين وللعالم اجمع مسار وحيدا للحل نابع من الرؤية الإسرائيلية فقط.

وكذلك ما هي الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق هذه الخطة على المناطق الفلسطينية خاصة، وإنها سوف تطال أكثر من حوالي سبعمائة ألف مواطن يعيشون في هذه المناطق ويكسبون معيشتهم على زراعة أراضيهم، وما هي أحوالهم المعيشية عندما يفقدون مصدر رزقهم الوحيد.

كما يمكن في هذا المجال طرح المزيد من التساؤلات في إطار الإشكالية المتولدة جراء ذلك، وخاصة في موضوع التنمية والتنمية المستدامة في المجالات المختلفة (التعليم والصحة والوضع الاقتصادي)، فكيف يمكن الحديث عن أحداث تنمية في الأراضي الفلسطينية لمعالجة الأوضاع السيئة والتشوهات وخاصة في البنية الاقتصادية وعدم وجود نمو اقتصادي على المستوى المطلوب، فكيف يمكن الحديث عن ذلك في ظل الفصل الجغرافي بين المناطق الفلسطينية المختلفة والذي عززته إسرائيل الآن ببناء جدار الفصل العنصري، والذي دمر الكثير من العناصر التي يمكن اعتبارها عناصر مهمة في إحداث التنمية الذاتية كالأرض والثروات الطبيعية ومصادر المياه والبنى التحتية.

إن جملة هذه التساؤلات التي تثار تهدف إلى إلقاء الضوء على الآثار المختلفة على الإنسان الفلسطيني في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والى إثارة تساؤلا من يتحمل مسؤولية مواجهة هذا الوضع الناشيء في ظل عملية سياسية انخرطت بها السلطة الوطنية على قاعدة خطة خارطة الطريق، في الوقت الذي تتواصل فيه إجراءات إسرائيل على الأرض وفي المقدمة منها مواصلة بناء جدار الفصل العنصري هذه الممارسات تضرب من مصداقية هذه الحكومة الفلسطينية وتهز ثقة شعبها بها ، وتضع علامة استفهام كبيرة على دور الولايات المتحدة الأمريكية الراعية الأساسية والوحيدة للعملية السياسية الراهنة بعد أن استبعدت دور الأطراف الدولية الأخرى وفي مقدمتهم الدور الأوروبي .

إن النقد الخجول والرقيق الذي تمارسه الإدارة الأمريكية بعد أن لم يعد ممكنا التغطية على عملية السرقة المكشوفة للأراضي الفلسطينية وتقويض فرص استعادة العملية السياسية لمسارها، إن هذا النقد لا يمكن أن يوفر قوة ضغط جدية على شارون وحكومته للكف عن هذه الإجراءات ما لم تقترن بخطوات عملية ملموسة وذات طبيعة عقابية تشعر حكومة شارون أن المضي بسياستها العنصرية لن تمر دون ثمن أو عقاب، ويبدوا أن شارون مطمئن أن هذه الإجراءات لن تحدث بسبب اقتراب الانتخابات الأمريكية، وبعد استبعاد الأطراف الدولية الأخرى، وأيضا بفعل المواجهة التي يبديها الفلسطينيون ما زالت دون المستوى المطلوب لإثارة أزمة جدية سواء على المستوى التفاوضي رسميا، أم على المستوى الشعبي وهو من مسؤولية القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية التي مازالت لغاية الآن تكتفي ببيانات التنديد والشجب التي لا تثمر ولا تغني إن لم تتواصل بحملة جدية على الأرض تجند إمكانيات الشعب وخاصة الفئات المتضررة وهي كثيرة ومستعدة لخوض غمار هذه المعركة لأنها بالنسبة لها مسالة خيار أو موت، كما وان عودة الحياة لقوى السلام الإسرائيلية والاستعدادات التي تبديها في مواجهة سياسية حكومة شارون وخصوصا جدار الفصل العنصري والاستيطان يمكن أن يوفر قوة ضغط داخلية إسرائيلية، مترافقة مع قوة ضغط خارجية مع النضالات التي يمكن أن تخاض ميدانيا مع المشاركة الرمزية للحملة الدولية التضامنية مع شعبنا.

إن هذه الخطوات على الرغم من أهميتها ميدانيا إذا لم تترافق مع حملة سياسية دبلوماسية تشنها م.ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية على كافة المستويات واستنفار كافة الطاقات والإماكانيات لدى شعبنا وأصدقائه في العالم تبقى هذه الفعاليات الميدانية بدون اثر كبير.

إن تحول مسألة الجدار العنصري الفاصل على الأرض الفلسطينية الى قضية كفاحية يومية مطروحة على الجميع قوى سياسية وحكومة ومؤسسات مسألة تكتسب الآن أهمية استثنائية لأن مصير هذه المعركة سيحدد مستقبل الصراع في المنطقة، وهل نحن مقبلون على حل سياسي دائم وشامل، أم على حل مؤقت فرض بقوة موازيين القوة المختلة.