نشرت صحيفة "هآرتس" خبراً مفاده أن جهات أكاديميه وبالتعاون مع مديرية السجون العامه وجهات أمنيه إسرائيليه أخرى، تقوم بإجراء بحث شامل حول ظاهرة "الإستشهاديين" .
وقد جاء الخبر يبلغنا أيضاً بأن إسرائيل تمتلك في سجونها أكبر عدد من "الإنتحاريين" الشباب الذين تم القبض عليهم قبل أن ينفذوا عملياتهم أو أثناء تنفيذها بعد أن فشلوا نتيجه لخلل فني أو غيره من الأسباب، الأمر الذي يمنح إسرائيل أفضليه على الدول "المكافحه للإرهاب" . كما أفادت "هآرتس" بأن إستخلاصات البحث الأوليه، والذي لم ينتهي من إجراء المقابلات والفحوصات النفسيه والإجتماعيه لجميع "الإنتحاريين" في السجون تشير بأن الأسباب والدوافع الأساسيه لقيام هؤلاء الشباب بمثل هذه العمليات هو رغبتهم بأن يحظوا بالجنه وأن ثمة دافع وأساس عقائدي ديني لعملهم بالإضافه لرغبتهم تحسين ظروف أسرهم الماديه، حيث يشير الباحثين بأن الأموال التي تصل من العراق وإيران تلعب دوراً أساسياً للقيام بمثل هذه العمليات وتوفر كل الشروط اللازمه لنجاحها وذيّلوا !!! إستخلاصاتهم بأن الأسرى المذكورين أشاروا بأن ما قاموا به من عمليات جاء بفعل ما يعيشونه ويشاهدونه في الأراضي المحتله من ممارسات يقوم بها الإحتلال من قتل ودمار وإذلال .
إن هذا البحث الذي أجري ليس لأغراض علميه أكاديميه بحته جاء باعتقادي واعتقاد الشباب الذين أجري عليهم البحث، ليؤكد فرضيات مسبقه كان قد طرحها الكثيرون من السياسيين والأمنيين الإسرائيليين في الماضي عبر وسائل الإعلام وفي إطار سياسي ودعائي يهدف التحريض على الإنتفاضه والشعب الفلسطيني . وأعتقد بأن الأجهزه الإسرائيليه المختلفه تعمم، عبر نتائج البحث المذكور، فهمها للإنتفاضه كحالة إرهاب، لدول مثل أمريكا وغيرها من الدول التي أشارت صحيفة "هآرتس" بأنها تنتظر نتائج البحث ومعنيه به إلى حد كبير بهدف الوصول لفهم أعمق "للإرهابيين" وخصوصاً الذين يقومون بعمليات إنتحاريه حسب إعتقادهم . إن فرصة وجود عدد كبير نسبياً من "الإنتحاريين" في السجون الإسرائيليه تستغلها الأجهزه الأمنيه شر إستغلال، فتحت غطاء البحث العلمي والموضوعيه يجري تعاون بين الأكاديميا والأجهزه الأمنيه الأمر الذي يلقي بظل ثقيل ويثير علامات إستفهام كبيره حول إستقلالية البحث العلمي في إسرائيل بمثل هذه الحالات .
من خلال إطلاعي ولقائي المباشر مع عدد من الأسرى الذين أجريت معهم المقابلات، إتضح لي بأن البحث العلمي أبعد ما يكون عن العلميه والموضوعيه، بل وهناك خرقاً فاضحاً للقانون ولأصول البحث العلمي وللأخلاق التي يجب أن يتحلّى ويلتزم بها الباحث، قد لا يلتزم الباحث الحياد وقد لا ينجح باتخاذ موقف موضوعي من الحاله التي يقوم بدراستها خصوصاً ولأننا نتحدث عن باحثين إسرائيليين وعن إستشهاديين، ألا أنه لا يمكن فهم الإستعانه بالأجهزه الأمنيه وشرطة مديرية السجون والإدعاء بنفس الآن بأن البحث يصل لنتائج علميه، لقد استعان هؤلاء الباحثين بشرطة مديرية السجون وضباط المخابرات العامه الشاباك لإجراء المقابلات في الوقت الذي اخترق رجال الشرطه القانون حيث كذبوا على الأسرى بشكل متعمد لاقتيادهم بعكس إرادتهم لبحث لا رغبة لهم التعاون معه .
-2 -
إن من جملة الممارسات التي ذكرها الأسرى بعد أن راجعت أربعه منهم – فقد وصفوا لي التالي، الأمر الذي ينسف قانونية وعلمية هذا البحث ونتائجه المزعومه .
1.عندما نقل الأسرى من سجونهم المختلفه متوجهين لسجن (هداريم) قرب التلموند . لم يبلّغوا بأنهم مسافرون لبضعة أيام وسيعودون لسجونهم كما حدث لاحقاً، بل بلغوا بأنهم منقولين نقلاً تاماً الأمر الذي يستدعي في هذه الحاله حمل كل حقائبهم وأغراضهم الشخصيه معهم، ولم يبلّغوا بأنهم منقولين لسجن (هداريم) بل لسجن الرمله وهناك احتجزوا لمدة ثلاث حتى خمسة أيام في ظروف قاسيه بمكان يدعى الممر (المعبار) .. في هذه الحاله قامت مديرية السجون بما يخالف القانون فالقانون ينص بأن على إدارة السجون تبليغ السجين عن نقله وجهته الحقيقيه حتى وإن كان منقولاً لغرض التحقيق معه، كما ينص أيضاً تبليغه بمعلومات صحيحه حول طبيعة النقل إن كان نقلاً كاملاً أم لبضعة أيام، ما جرى عملياً هو أن مديرية السجون إستخدمت سلطتها بصورة غير قانونيه ولأغراض لا تتعلق بمسؤوليتها بل خارجه عن مسؤوليتها وسلطتها المباشره .
2.إن هذا الخداع الذي مارسته مديرية السجون على الأسرى لم يكن صدفه بل تبين من حديث أحد الضباط، الذي تفاجأ بأن أحد الأسرى يعلم بوجهته من أسرى سابقين أجريت لهم الفحوصات النفسيه ويعلم بأنه ذاهب لغرض إجراء اللقاء في إطار بحث، لقد ثار هذا الضابط وقال بأنه يجب أن لا يعلم أحد من ألأسرى بهذا الأمر مسبقاً وسأل الأسير كيف علم بالأمر؟ وقد تبين أيضاً بأنه أمر مخطّط له على ضوء طلب الباحثين الإجتماعيين والنفسيين .
3.مديرية السجون والجهات الأمنيه والباحثين قاموا بما يتناقض ليس والقانون الإسرائيلي وحسب بل وبما ينسف إتفاقيات جنيف الرابعه الخاصه بالأسرى حيث تمنع هذه الإتفاقيه إجراء تجارب وأبحاث على الأسرى حتى في حال موافقتهم فما بالك في حال رفضهم لذلك .
4.بالإضافه لعدم معرفة الأسرى وجهتهم الأمر الذي أثار ترقبهم وقلقهم، أدخلوا في جو إرهابي، فقد استقبلتهم وحدة (نحشون) التي لها باع طويل بقمع الأسرى .. وقد تواجدت هذه الوحده أثناء إجراء الفحوصات والمقابلات بحجة حماية الباحث من إعتداء الأسير عليه .. هذا بالإضافه لوجود ضابط مخابرات من "الشاباك" والذي يعرفه الأسرى من خلال تحقيقه معهم وقد وقف طوال الوقت هذا الضابط وراء حائط زجاجي قبالة الأسير ..
- 3 -
هذا الجو الإرهابي هيّأ الأسرى للخطوه التاليه وهو التعاون مع الباحثين دون أن يسألوا عن رغبتهم وإستعداديتهم للتعاون معهم وقد باشر الباحثون عملهم واكتفوا بالإشاره لتخصصاتهم وطلبوا الإجابه على أسئلتهم .
5.بعض الإجابات، وفق ما وصفه الأسرى، لم ترق للباحثين فأعادوا طرحها مرات ومرات وشرحوها محاولين من خلال الشرح توجيه الإجابات وفق فهم معين بهدف تأكيد فرضيات لأنفسهم وخصوصاً بما يتصل بدوافع الإستشهادي وأسباب محاولته القيام بعملية "إنتحاريه" .
6.لقد تم إجراء بعض الفحوصات من خلال مئات الأسئله المطبوعه في كراس وقد وضع لكل سؤال إجابتين وفي كثير من الأحيان، كما أفاد الأسرى، لم يكن الخيارين يروقان أو قريبان من الإجابه التي يرغبان إختيارها ولهذا رفضوا الإجابه، لكن الباحثين أرغموا على الإختيار بين الإجابتين لهذا كانت ردودهم على أسئله ليست إستثنائيه بل مركزيه وهامه وتتصل بقناعاتهم وممارساتهم، هي ردود لا علاقة لها بالحقيقه . لكن المهم هو أن الأسرى في ظل هذا الجو الإرهابي وفي ظل عدم رغبتهم بالتعاون مع الباحثين لم يقدموا إجابات صحيحه على مجمل الأسئله .
إن المؤسسه التي تسمح لنفسها إجراء أبحاث وتجارب نفسيه على الأسرى قد تقوم بتجارب من نوع آخر عندما لا تجد أحداً من لجان حقوق الإنسان ولجان الأسرى وما أكثرها، لتقف أمام خبر "هآرتس" ليسأل مجرد سؤال عما يجري وما هدف هذا البحث، بل يمر عليه مر الكرام، لنطالب هذه المؤسسات أن تفضح الأمر وتوقف هذه التجارب والأبحاث التي تجري تحت مظلة الأجهزه الأمنيه وبخداع الأسرى الذين هم موضوع البحث عبر التوجه للقضاء والطلب منع نشر هذا البحث أو استخدامه من أي جهة كانت، بل وإطلاع المؤسسات الأكاديميه في العالم عما يجري في السجون لتتخذ موقفاً واضحاً بمقاطعة هؤلاء الباحثين وأبحاثهم .
* الكاتب هو أسير سياسي من أسرى 48 – يقضي منذ 17 عاماً حكماً بالسجن المؤبد في السجون الإسرائيليه – يدرس للقب الثاني عن الديمقراطيه في الجامعه المفتوحه .