هناك معادلة دارجة في الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني هي مقابلة العنف بالتوسع الاستيطاني. فتكاد تكون كل التقارير والمشاريع والمخططات لاحلال السلام والامن والاستقرار في بلادنا ترتكز على هذه المعادلة. هكذا تقرير ميتشل، وهكذا خطة تينت وهكذا أخيرا خريطة الطريق، على سبيل المثال وليس الحصر.ولابد ان هذه جاءت استجابة وانعكاسا لطرحنا واهتمامتا وتهدئة لروعنا ومخاوفنا مثلما هي كذلك انعكاسا لطرحهم وتهدئة لروعهم ومخاوفهم

و تأتي هذه المعادلة تطبيقا فلسطينيا لتلك المعادلة السابقة لحل هذا النزاع على المستوى العربي ، والتي ابتدأت بمبادرة من قرار مجلس الامن الشهير رقم 242 والتي تقول: الارض مقابل السلام . بمعنى ان الاسرائيليين الذين يسلبون الارض بواسطة الاستيطان ينبغي لهم ان يبادلوا الامتناع عن هذا الاستيطان بامتناع فلسطيني على العنف.

ولكن خلافا لنزاع اسرائيل مع الدول العربية والتي توجد فيها مرجعيات قانونية، من خلال الحدود الدولية التي قامت بينها، مثلما في حالة مصر وسوريا ولبنان، والى حد ما الاردن، اذا تجاوزنا خطوط الهدنة في العام 1949 واقمناها مثلما هو الحال في عهد الانتداب على نهر الاردن ووادي عارة، والتي على اساسها قامت معاهدة السلام مع الاردن.. نقول خلافا لذاك النزاع ،فان في النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، لا تعد خطوط الهدنة التي سادت حتى الرابع من حزيران وسط فلسطين حدودا دولية بل مجرد حدود بالامر الواقع، شهدنا جميعا كيف ان اسرائيل تفتلت وتلوت في تفسيرات قرار 242 لتقوض شرعيتها فتقضم المزيد من الارض لصالحها على صعيد الدلالة اللفظية مثلما هو على صعيد الواقع العملي.

وتنطوي معادلة العنف - الاستيطان على معنى التبادل الشامل والنهائي لطرفيها بين الطرفين المتنازعين، مما يفترض إنعدام كل مساومة محتملة لهذا التبادل. فمثلما يفترض الاسرائيليون امنا شاملا ونهائيا ومضمونا وأبديا عند تحقيق هذه المعادلة، كذا الفلسطينيون يفترضون انتهاءا وكفا لا يقل شمولية ونهائية وضمانة وابدية للاستيطان.

ولكن المشكلة هنا في الاختلال التام في موازين القوى بين الطرفين وفي أنه في السياق التاريخي للصراع الفلسطيني - الصهيوني تقررت الحلول والمساومات ليس على اساس اطلاقية المعادلة بل واقعيتها، بمعنى اي قدر من العنف يمكن التحكم به، مقابل أي قدر من الاستيطان يمكن تقييده. ولعل هذا هو منطق خريطة الطريق نفسها.

فالعنف بالنسبة لاسرائيل يبرر الاستيطان مثلما هو الاستيطان بالمقابل يبرر العنف بالنسبة للفلسطينيين. ومع انه قد يكون هذا هو السبب الذي يجعل في غاية المنطق السعي الى تبادلهما، الا انهما كونهما يوفران كل سبب الوجود للاخر، فأغلب الظن، لن تتمكن أي قوة من فرض هذا التبادل، بحيث يبقيان يغذيان الواحد الاخر الى ما شاء الله. ومع ذلك فهذان المتغيران في طرفي المعادلة ليسا متساويين ولا ثابتين لا يتحركان ولا يتغيران. فنظريا على الاقل يمكن القول انه لو تصاعد العنف الفلسطيني لدرجة تفوق فيها على دفاعات اسرائيل وهجوماتها لبات افتراض الغاء الاستيطان بابادته او رحيله محتملا، وهذا في واقع الحال هو المنطق القابع في اصل هذا العنف. وبالمقابل يمكن نظريا أيضا القول انه اذا ما امتد الاستيطان حتى تمدد واستقر وثبت، فلن يكون بوسع اي عنف ان يقتلعه، وهذا هو في واقع الحال المنطق القابع وراء الاستيطان والجهات السياسية الداعمة له.

وهكذا فانه في ظل العلاقة الواقعية لهذه المعادلة، وهي تختلف عن العلاقة المجردة التي تفترضها الحلول والمبررات السياسية القائمة على اساسها، فان الحراك في هذه العلاقة لا يتناسب مع المجرد والمطلق بل مع الواقعي والعملي.

فاسرائيل بعد أن يئست او كادت من اطفاء جذوة التمرد الفلسطيني بما فيه من عنف، فقد وجدت في جدار الفصل حلا في متناول اليد. ومع ان هذا الحل، سواء كان مؤقتا ام دائما، لا يتناسب والفكرة الصهيونية الاعمق في احتلال الارض واستيطانها باليهود وطرد من فيها من عرب، الا انه على الصعيد العملي صار ممكنا اللجوء اليه مع تعديله ليتناسب وتلك الفكرة الاصلية. وهكذا ومع بناء الجدار، فان المزيد من الارض الفلسطينية تؤكل، وهذه المرة عن طريق فصلها عن اهلها بالجدار، والمزيد من المستوطنات تدخل في نطاقه فتنضم وتضم معها محيطها من الاراضي الى اسرائيل.

وبينما نحن نؤيد تصعيد العنف على الامل الذي قد يقترب من الوهم ان لم يكن الوهم بعينه في ان يحمل هذا العنف اليهود على الرحيل عن ارضنا، ولا نقول هنا عن فلسطين بل عما تبقى لنا من فتات في الضفة الغربية، فان هؤلاء اليهود يصلون كي نبقي نحن على مستوى مقبول من ناحبتهم لهذا العنف كي يبرروا المزيد فالمزيد من الاستيطان والتوسع.

يجري اليهود الان فيما بينهم مساومات وصراعات من اجل ادراج اكبر قدر ممكن من المستوطنات في اطار جدار الفصل، ومعها اكبر قدر من الاراضي، باقل قدر من السكان الفلسطينيين. بمعنى انهم باتوا يتعاملون مع المعادلة اياها على الصعيد العملي الواقعي، فيما نحن لا نزال نتمسك بحبال اوهام المعادلة على الصعيد النظري المجرد.

في التاريخ الفلسطيني كانت المعادلة القديمة تدور حول هجرة اليهود الى فلسطين. وبينما كنا نتمسك بنظرية كل فلسطين لنا والوقف التام للهجرة اليهودية اليها، كانت تتراكم وتتبلور اسرائيل كوجود سكاني سرعان ما بلغ قدرا حرجا يتيح له البقاء المستقل، وبعد ذلك كوجود سياسي تتوج بدولة اسرائيل. أي أننا لا نزال نفكر بنفس الطريقة التي كان يفكر بها اجدادنا رحمهم الله قبل نحو مائة عام، بالتعابير المطلقة والمجردة وليس بالتعابير الواقعية والحقيقية.