تزايدت في الآونة الأخيرة وتيرة ومستوى الدعوات لاستئناف الحوار الوطني الفلسطيني – الفلسطيني ارتباطا بالحديث عن هدنة جديدة او قف إطلاق نار جديد، متبادل ومتزامن. التواتر مع هذه الدعوات جاء ارتباطا بعدة عوامل الأول نجاح الفلسطينيين بتجاوز أزمة غير واقعية بتشكيل حكومتهم التي طال انتظارها وأضاع الكثير من الوقت الثمين عليهم، هذا الوقت الضائع عطل الكثير من الخطوات التي كان من الممكن أن تتم، العامل الثاني استئناف الدور المصري النشط في هذا الاتجاه الذي لاشك أيضا كان احد أسباب انتظاره ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني، حتى يتم التعامل مع حكومة مستقرة شرعية وتمثيلية.
وبصرف النظر عن الأسباب والدافع التي كانت وراء تحرك الوضع، فإن هذا الحوار يكتسب أهمية استثنائية، باعتبار انه في حال أحسنت أدارته وتوجيهه، فإنه من الممكن أن يشكل مقدمة لمعالجة الوضع الفلسطيني الراهن من مختلف جوانبه وأبعاده بغية تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وكذلك لتفويت الفرصة على حكومة شارون لاستغلال الوضع القائم لمواصلة عدوانها ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري الذي سيقرر من جانب واحد مستقبل الحل السياسي، وينهي مشروع دولتين لشعبين.
ومن هنا فإن نجاح هذا الحوار يعني أن الفلسطينيين سيواجهون الموقف الإسرائيلي بموقف رسمي له بعده الجماهيري ويحظى بأوسع إجماع وطني، وفي حال فشله فلا يعني إن الوحدة الوطنية سوف تضرب، بل إنها ستتواصل بفعل العوامل القصريه التي يولدها الاحتلال وعدوانه المتواصل لكن هذه الوحدة ستكون قاصرة ومحدودة الأداء والتأثير في إدارة الصراع غير المتكافىء مع الطرف الآخر، وهو لا يعفي أي طرف سياسي من المسؤولية الوطنية من النتائج التي قد تنجم عن هكذا تقصير في إدارة العملية النضالية في هكذا ظرف حساس ومصيري.
هذه الجولة الجديدة من الحوارات أن توفرت لها مقومات الالتئام، فإنها ستكون استمرار للحوارات السابقة وخصوصا التي جرت في القاهرة مطلع العام الجاري، لكن هذه المرة ستجري الحوارات في ظل متغيرات لا يمكن إغفالها او القفز عنها وأبرزها:
- احتلال القوات الأمريكية والبريطانية للعراق الشقيق بالرغم وبالضد من قرارات الشرعية الدولية، وهي تسعى الآن لإكساب هذه الاحتلال صفة الشرعية وتوسيع حجم المشاركة الدولية فيه، بعد المأزق الجدي الذي تواجهه نتيجة المقاومة الوطنية التي تتزايد وتتسع في كافة المناطق العراقية، هذا المأزق اخذ ينتقل بمفاعليه الى الوضع الداخلي سواء بالارتباط بالحملة الانتخابية للرئيس بوش أم بالوضع الاقتصادي الذي تتراجع مؤشرات النمو فيه، الأمر الذي قد يدفع الإدارة الحالية التي تقع تحت سيطرة المحافظين الجدد دعاة التطرف ومواصلة الحروب إما الى توسيع رقعة الحرب في المنطقة والعالم لتطال سوريا ولبنان وإيران وكوريا للخروج من الأزمة التي يعيشها مشروعهم الذين اعتقدوا إنهم وخلال فترة بسيطة بعد احتلال العراق سوف تفتح لهم أبواب المنطقة بالكامل، أم سوف يضطروا الى إحداث تراجعات تكتيكية في المنطقة وفي العالم لتجاوز على الأقل الاستحقاقات الداخلية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية.
- اعتماد خطة خارطة الطريق التي وافقت عليها كل الأطراف بما فيها موافقة حكومة شارون المشروطة، والتي مازالت الإدارة الأمريكية وأطراف اللجنة الرباعية تعتبرها أساسا صالحا للحل السياسي رغم الضربات التي وجهت لها من قبل حكومة شارون والتواطىء الأمريكي المكشوف معها.
- تواصل وتزايد سياسة الاغتيالات والتوغلات والاعتقالات وتشديد الحصار على الشعب الفلسطيني، وتكريس واقع الاحتلال بتوسيع الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري، وكل ذلك يجري تحت نظر العالم الذي يردد قسم كبير منه مقولة الرئيس بوش إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ضاربين عرض الحائط بحق الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال بمقاومته وهو حق كفلته الشرعية والدولية وميثاق الأمم المتحدة.
- فشل الإرهاب الإسرائيلي من كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتصفية الانتفاضة رغم ما لحق بها وبشعبنا من خسائر مادية وبشرية، بل على العكس من ذلك عمقت الانتفاضة من الأزمة الداخلية الإسرائيلية وصار دعاة الحلول التصفوية العسكرية ينادون بإعادة النظر به بعد أن فشلت سياسية القوة واستخدام مزيد من القوة في إنهاء الانتفاضة وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني.
- انهيار النظام الرسمي العربي وعدم قدرته على بلورة موقف موحد يدافع فيه على الأقل عن نفسه أمام الانتهاك الخطير للتداخلات الدولية في الشأن العربي الداخلي رغم مأزق الإدارة الأمريكية في العراق.
- تنامي حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة ورفض دولي واسع للممارسات الإرهابية على المستوى الشعبي والذي وجد ترجمته باستطلاع الرأي للجمهور الأوروبي.
انطلاقا من هذه المعطيات والقراءة الواقعية للتغيرات السياسية فإن الحوار معني بالإجابة على الكثير من الأسئلة، وأيضا طرح حلول وسياسات للتعامل مع الوضع الناشيء انطلاقا من المسؤولية الوطنية العامة وليس من الحسابات التنظيمية الضيقة، لان ما سينجم عن هذه الحوارات سيؤثر على مستقبل قضيتنا وهذا ما يزيد من أهمية الحوار، لذا فإن الحوار معني بالخلوص للتالي: - تحيق هدنة فورية أو وقف أطلاق نار متبادل ومتزامن وبرعاية دولية، من أطراف اللجنة الرباعية بحيث تقوم بتحديد مسؤولية أي طرف عن الخروقات، ويتم من خلالها وقف استهداف المدنيين من كلا الطرفين واعتبارهم خارج النشاطات العسكرية.
- ضمان تنفيذ الهدنة من خلال تعزيز صيغة للاتفاق الداخلي، يقوم على أساس تعزيز سلطة القانون، وتفعيل القضاء وضمان حياديته، والتعددية السياسية والحريات الأساسية والديمقراطية، وتعزيز مكانة السلطة في نطاق اختصاصاتها وبما لا يتعارض ومكانة ودور المؤسسات والأطر الشرعية الفلسطينية الأخرى.
ولضمان نجاح المساعي للوصول لهدنة تعكس مصالح كافة الأطراف وتلبي احتياجاتهم، فإنه يتعين على الأطراف الراعية للهدنة ضمان التالي:
-وقف سياسية الاغتيالات والتوغلات والاعتقال والتدمير للبيوت والبنية التحتية الاقتصادية للشعب الفلسطيني.
- وقف بناء جدار النهب والضم والفصل العنصري.
- التوقف عن الاستيطان ومصادرة الأراضي وتفكيك البؤر الاستيطانية المقرة في المرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق.
- الاتفاق على جدول زمني للانسحاب من كافة الأراضي الفلسطينية بدون أي قيد او شرط للمواقع التي كانت قبل 28\9\2003 ، وبحيث يكون حدها الأقصى مع انتهاء الهدنة .
- رفع كافة أشكال الحصار والإغلاق عن الأراضي الفلسطينية.
- رفع الحصار عن الرئيس عرفات وعدم المس بمكانته كرئيس منتخب للشعب الفلسطيني.
- إطلاق سراح كافة المعتقلين الفلسطينيين بدون تمييز.
إن المسؤولية الوطنية تلقي على كافة الأطراف تحمل تبعات عدم رؤية التطورات الجارية في المنطقة والعالم، والعودة مجددا الى القراءة المغلوطة للواقع والأحداث كما جرى بعد أحداث اا\ أيلول\ 2000، وهنا فإن لا سياسة الاستفراد والهيمنة في ظل المخاطر الخارجية ممكنة بفرض الأمر الواقع على الآخرين، ولا سياسة إدارة الظهر وفرض رؤية خاصة على الآخرين انطلاقا من حسابات ورؤية سياسية تعتقد أنها الأصوب ومن الممكن أن تشكل مخرجا للوضع بتعقيداته وتداخلاته الإقليمية والدولية، وان دروس فشل حوار القاهرة الأول ينبغي أن يكون النبراس والهادي لإدارة الحوار القادم، لان مابين الحوار السابق والقادم سقطت العديد من الأوهام وهي ليست بحاجة لجهد كبير للمسها بقدر ما بحاجة الى أن يدركها المعنيين إن كانوا جادين.