ما الذي يمكن أن نجنيه من عسكرة المقاومة؟ يجب علينا الإجابة عن هذا السؤال إذا كنا نود أن نكون على القدر المطلوب من المسؤولية. أم هل نترك الأحداث أو الأهواء تتحكم في مصيرنا؟ فنصبح مشاهدين فقط لما يطرأ علينا من تقلبات ومستجدات ثم نطلق الإتهامات والأحكام على الآخر بسبب المصائب التي تتوالى علينا؟
إذا كان الهدف إثبات صلابتنا، فإن صلابتنا ثابتة من خلال ثباتنا وصمودنا ورفضنا لما يحاولون إملاءه علينا. وإذا كان الهدف أن نرد الصاع صاعين بغية الردع، فالتجربة تثبت أن هذا المنطق ليس مقتصراً علينا وأنهم يردون بالمثل. وأما إذا كنا نبغي إقصاء مجنزراتهم وحواجزهم فإنهم يأتون بأكثر منها وما هو أشد تنكيلاً، وأما إذا ابتغينا استصدار موقف سياسي لين من جانبهم، فإنما هم على العكس تماماً وأصبحوا أكثر هلعاً وتطرفا. وإذا كنا نعتقد أننا سوف نفرض عليهم الإنسحاب فرضاً أو العودة قهراً فالأحداث على أرض الواقع لا تبشر على هذا النحو خيرا، بل هم يزدادون إستنفاراً كلما تعمقنا في ضربهم. وإذا كنا نأمل نجدة المعتصم لما نتعرض له من تنكيل فإنه لا حياة لأصحاب الضمائر في الخليقة ممن تنادي
وما بقي هو مقاتلتهم لأجل غير مسمى، لعل وعسى، أو إيقاع الأذى بهم كي لا ينعمون بما هم فاعلون، ونتلمس نشوة دون مردود سياسي لنا. أي ما بقي هو ليس برنامجاً سياسياً أو إستراتيجية لتحقيق هدف ممكن أو مصلحة عامة بالرغم مما قد يقال، بل ما بقي هو مجرد إستسلام لواقع مرير وإن دوى الفضاء بطلقات نيراننا.
أفنستسلم إذن، ونلقي رايتنا؟ لا بل نعيد التفكير ونحكم عقولنا. وأول ما نفعل هو أن نقايس ما بين طرفي المعادلة فهي ليست بين جيشين، وإنما جيش إحتلالي وشعب غير مسلح بالغالب لا عمق متواصلاً لديه يمده بالعناصر أو المعدات.. فلسنا الجزائر ولا فيتنام. ونستخلص من هذا أن مواجهة مسلحة مهما كانت بطولية أو جريئة إنما تكون معركة بأدوات يتفوقون بها علينا.. وهل تسلم عنقك لمبارزة يمتلك فيها الخصم أدواتها؟ ثم أنت بقبولك الأداة التي اختارها خصمك والتي يتفوق بها. ألم تخضع قرارك له وتستسلم لإطار المبارزة التي قم هو بتحديده؟ وهل غاب عن بالك ذاك الأمر الأكثر أهمية وهو قبولك غير المباشر بتهميش مصدر قوتك الأساسي ألا وهو جماهيرك غير المسلحة والتي أضحت ضحية سجينة لا تقدر على امتلاك زمام المبادرة، ناهيك عن جماهيره التي أصبحت من الحوف ملكاً خالصاً له؟
سؤال سياسي يسأل: هل يحققون نصراً إذا ما أقدموا على قتل الإنسان منزوع السلاح منا؟ أم هل نحقق نحن النصر كلما أردوا منا قتيلا؟ هل نمتلك أن نحيل قوتهم العسكرية ذخيرة لصالحنا؟ والإجابة تأكيداً بالإيجاب إذا حرجنا عليهم كما نحن حقيقة، أي كجماهير غير مسلحة ولا عنيفة نطالب بحقنا، غير مستسلمين لإملاءاتهم العنيفة ضدنا ولا لإستفزازاتهم ومحاولاتهم لإستصدار ردود الفعل التلقائية منا والتي يستخدمونها مبرراً، لأنفسهم وللعالم، لإجراءاتهم القمعية ضدنا. وللمقاومة اللاعنفية في معارك التحرر سوابق ونجاحات، وجنوب إفريقيا أقرب مثال لنا من فيتنام. ثم لا ينبغي أن يغيب عنا ما يهدفون. فهم لا يقمعون فقط لأجل القمع وإنما يحططون لما يفعلون ولا يجب أن يخطر ببالنا للحظة أن جدران الأقفاص قامت عبثاً، لا بل ألا يتبع خط سيرها خريطة شارون السياسية التي سبق وأعلن عنها، حتى قبل أن تدوس قدماه حرمنا المقدس؟
وما بالهم يهدفون ونحن لا نهدف؟ أو يمكن أن نقاوم دون تحديد ما نحن نحوه سائرون؟ أتخبط العشواء نمضي أصبنا ما نريد أم لم نصب؟ أم هل نخفي أهدافنا التي يمكن تحقيقها حتى على أنفسنا، خشية من عدم الثقة بتحقيقها، فنجاهر بتحقيق غير الممكن لأننا لم نتجرأ على عقد العزم على تحقيق ما يمكن؟
أفنستطيع إذن أن نكظم غيظنا ونسيطر على مشاعرنا ونحكم عقولنا؟ أفنستطيع أن نرقى تخطيطاً وعملاً فنصبح قادرين على الدفاع عن حقنا؟ أم نكون أداة غير واعية للإجهاز على ما تبقى من حقوقنا؟ أم نقول: "دع الأُمور تسير، فلعل وعسى"، وقد يؤتى علينا بما لم نعلم، وهذا قدرنا وما نحن بقادرين؟
أو ليس علينا حقاً لفلذات أكبادنا أن نخطط لحياة أقل شقاء، ثم نقول دع الأمور تسير من أن ندعها تسير لأننا نخشى من وضع النقاط على الحروف، فتسير بما لا تشتهي السفن؟ أن نتوكل نعم، ولكن ألا يجب أن نعقل أولاً فنتوكل؟ وهل يستوي العاقلون وغير العاقلين؟