وقعت قبل عدة أيام على الشاطىء الأردني للبحر الميت في المنتجع السياحي الموفنبيك شخصيات إسرائيلية وفلسطينية على تفاهمات ما يسمى "وثيقة سويسرا"، والتي تتناول، حسب المشاركين في اللقاء- خطة لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والتوصل إلي حل دائم تمت صياغته على أسس "وثيقة بيلين- أبو مازن"، وخطة كلينتون التي طرحت في قمة كامب ديفيد صيف عام 2000، وكذلك ورقة كلينتون التي قدمت بعد فشل القمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في حينها، وأيضا على ما سمي فيما بعد بتفاهمات طابا قبل رحيل حكومة باراك وخسارته للانتخابات في مواجهة شارون. والوثيقة المتفق عليها وحسب ما أشارت لها فقط وسائل الإعلام الإسرائيلية دون غيرها ونقلتها عنها وسائل الإعلام الفلسطينية تتضمن " حلاً جذريـًا لكل قضايا الحل الدائم، ومنها: الحدود، القدس، والمستوطنات، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين".

ولم يتم التوقيع على "وثيقة سويسرا" بل تم التوقيع على تفاهمات بهذا الخصوص بين الطرفين على أن يتم التوقيع على هذه الوثيقة مطلع الشهر القادم في جنيف. حيث يعول أصحاب المبادرة الممولة من كلا من سويسرا واليابان أن يتمكنوا من حشد شخصيات سياسية لحضور التوقيع سواء في موقع القرار حاليا مثل توني بلير رئيس وزراء بريطانيا ورؤساء سابقين مثل الرئيس كلينتون، إضافة الى محاولة حشد دعم عربي وإقليمي لهذه المبادرة الاتفاقية لتشكل أساس سياسي مفترض لتحرك فلسطيني إسرائيلي.

وقد شارك في اللقاء من الطرف الإسرائيلي رئيس حركة "شاحر" د. يوسي بيلين، وأعضاء الكنيست عمرام متسناع وأبراهام بورغ (العمل) وحاييم اورون (ميرتس) وعددا آخرا من الشخصيات الإسرائيلية يضمنها رئيس هيئة الأركان السابق، أمنون شاحاك ، فيما وصل من الجانب الفلسطيني وفد يضم ياسر عبد ربة ونبيل قسيس وهشام عبد الرازق وقدورة فارس ومحمد حوراني وجمال زقوت وسمعان خوري وغيرهم من الشخصيات الرسمية الفلسطينية سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية.

وقد أكد الطرف الإسرائيلي المشارك في لقاءات الأردن حول الوثيقة، ووفقا لأكثر من مصدر إعلامي، أن الطرف الفلسطيني المشارك وافق على التخلي نهائيا عن حق عودة اللاجئين مقابل حصول الفلسطينيين على حق السيادة على الحرم القدسي الشريف بينما تحتفظ إسرائيل بالسيادة على "الهيكل".

وبناء على بنود المشروع أيضا فان إسرائيل ستضم إليها مستوطنة "معليه أدوميم" ومجموعة مستوطنات "غوش عتسيون" بينما سيتم إخلاء مستوطنتي " أريئيل" و "أفرات".

وقال الطرف الإسرائيلي المشارك أن الوثيقة تضم ترسيما نهائيا للحدود وتطرح فيها لأول مرة خرائط محددة، ويجري الحديث بالضبط عن تنازلات إقليمية مختلفة. وان هذه الوثيقة تشكل الأساس للحل الدائم، أي نهاية النزاع بين الطرفين "دون مطالب أخرى"، وكذلك أن يكون الحق لإسرائيل بتوصيفها "كدولة يهودية".

وبصرف النظر عن الأهداف المباشرة التي سعى إليها أصحاب المبادرة من كلا الطرفين للبرهنة إن هناك شركاء للسلام من كلا الطرفين، وبأنه من الممكن التوصل للسلام، وان من شان هذا الاتفاق أن يحدث تغيرا جذريا في أجواء التشاؤم واليأس التي تخيم على المنطقة، ويؤسس لانطلاقة سياسية بزخم كبير تبعث الثقة والأمل بالنفوس بعد سنوات الصراع المريرة وخاصة السنوات الثلاث الأخيرة.

فإننا لن نبدي الآن رأينا بالاتفاق إلا بعد أن ينشر بصورة رسمية من قبل الجهات الفلسطينية المتبنية له خاصة وان هناك معلومات متضاربة بين ما يقوله الإسرائيليون وبعض المشاركين من الفلسطينيين خصوصا في مسائل اللاجئين والقدس والمستوطنات، وحينها سيكون لدينا الكثير مما نقوله فبه، سواء لجهة المضمون أم لجهة حجم التنازلات المجانية المقدمة. وعليه والحال هكذا فإننا سنبدي رأينا بالخلفيات التي حكمت هذا التوجه وبالتكتيكات المتبعة وصولا لتلك الأهداف وتبيان مدى ضررها وخطورتها وعدم جدواها، رغم أن المبررات المساقة لتبرير الأخذ بهكذا توجهات قد تكون صحيحة ومفهومة في إطار من الندية والتكافىء والتبادلية بين الطرفين المشاركين في صنع هذه المبادرة الاتفاق، وعليه فإننا نسجل الملاحظات التالية:

- أن الطرف الإسرائيلي المشارك لم يمثل أي جهة إسرائيلية رسمية ولا يملك أية صلاحية على خلاف الطرف الآخر الوفد الفلسطيني الذي مثل شخصيات رسمية في مواقع القرار في المؤسستين التنفيذية والتشريعية.

- إن الاتفاق المصاغ هو تكرار لمشاريع وخطط كانت القيادة الرسمية الفلسطينية قد رفضتها في حينه، خاصة ما جاء في قمة كامب ديفيد أم في ورقة كلينتون، أما ما جاء في تفاهمات طابا فلم يكن سوى تبادل أراء لم ترقى الى مستوى الاتفاق الشفهي، بينما ما سمي بوثيقة أبو مازن بيلين فإن الأول قد تنصل منها في أكثر من مناسبة. ومن هنا فإن اعتبار ماتم التوصل إليه على انه أنجاز يفتح الطريق نحو سلام عادل ودائم وشامل مسالة بحاجة لتدقيق، علاوة عن أنها تطرح تساؤل، لماذا رفضت في حينها، ولماذا يجري الآن تبنيها مع أطراف كانت في السلطة حينذاك وعجزت عن حملها وتبنيها. أم أن المتغيرات السياسية خلال السنوات الثلاث السابقة والإخلال بموازين القوى جعلنا نعيد النظر بمواقفنا السابقة "وتدارك أخطائنا" التي ارتكبناها، وهل التراجع عن تلك المواقف الآن سوف يعيدنا الى نفس المربع الأول الذي انطلقنا منه، ويمكنا من تحصيل ما كنا قد رفضناه سابقا ؟

- إن الاتفاق الذي ابرم بالأحرف الأولى في الأردن وبصرف النظر عن الحملة الدولية والعربية والإقليمية التي سوف تسبق وتصاحب التوقيع عليه في جنيف الشهر المقبل، لا يمكن أن يجد فعله وتأثيره على الأرض ما لم يجري تغيير جدي داخل المجتمع والحياة السياسية الإسرائيلية، وما لم تكف الإدارة الأمريكية الحالية عن دعم حكومة شارون وهو ما لن يحدث في المدى المنظور ارتباطا باقتراب موعد انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي ستكون الإدارة فيها بحاجة ليس لأصوات اللوبي الصهيوني فقط وإنما لأمواله الطائلة أيضا. وهذا يعني أن لا اثر قريب وملموس للاتفاق، مما يعني بالتالي انه سوف تكون له وظيفة إعلامية سياسية أنية فقط، ولأنه مع مرور الوقت وبالتقادم سيتحول الى وثيقة تاريخية تضاف الى سلسلة الوثائق التاريخية الكثيرة. - إن الاتفاق لن يتحول الى خطة للتطبيق الفعلي حتى ولو وصل الطرف الإسرائيلي الموقع عليه للسلطة في إسرائيل، بل سيكون في أحسن الأحوال سقفا للحل السياسي الممكن، وهو ما يعني انه من الممكن واقعيا النزول عن حدود هذا السقف. وهنا يطرح التساؤل ما المغزى من توقيع اتفاق مع جهة غير مخولة وملزمة. في حين سيتحول هذا الاتفاق فيما بعد لسقف سياسي سواء معها أم مع غيرها يجري التفاوض عليه، علاوة على أن هذا الاتفاق يقع دون سقف قرارات الشرعية الدولية ولا يؤدي لتنفيذها، وخصوصا فيم يتعلق بمسائل كالقدس والحدود واللاجئين والمستوطنات.

إن هذا الاتفاق ورغم ما احتواه من تنازلات مجانية مسبقة لا يبرر ولا يساوي الرسالة الأساس التي سعى لإيصالها بان هناك طرفا فلسطينيا شريكا في صنع السلام ينبغي الحفاظ عليه وعدم تدميره حتى لا يفقد الطرف الإسرائيلي شريكا تاريخيا لا يمكن تعويضه.

إن هذه الرسالة قد قرائها شارون وحكومته جيدا، ورغم ما يحققه هذا الاتفاق لإسرائيل من مزايا أنية ومستقبلية إلا أن الحكومة الإسرائيلية هاجمت الاتفاق وموقعيه بشدة متهمة إياهم بالهذيان. فهل يمتلك أصحاب الاتفاق الشجاعة بطرحه وتداوله من "مصدر فلسطيني" لنقاش جاد ومسؤول في المؤسسات الرسمية الفلسطينية، وهل من الممكن أيضا طرحه للنقاش العلني على المجتمع الفلسطيني بمكوناته السياسية والمدنية لتبدي رأيها فيه قبل التوقيع عليه في جنيف أم ستتكرر المأساة( التفرد، والهيمنة والاستئثار، وإدارة الظهر للشركاء الوطنيين) كما جرى في الاتفاقات السابقة.