يشهد العرب, وهم يبدون منذ شهور مجرد شهود, نكبة ثانية في طور التحقق في الاراضي الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في حربها التوسعية في 1967. ولا تبدو الدول العربية قادرةً على وقف هذه النكبة الجديدة التي يسرّع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون وتيرتها من خلال ليس فقط الاعتداءات العسكرية وقطع سبل كسب العيش امام الفلسطينيين بمنعهم من العمل داخل اسرائيل وقطع اشجارهم وتدمير مزروعاتهم ومنعهم من الحركة بين قراهم ومدنهم, وانما ايضاً بمواصلة بناء جدار الفصل العنصري الذي يقسم قرى وبلدات كثيرة ويجرد اهلها من اراضيهم ويجعل سكانها سجناء تحيط بهم جدران خرسانية واسلاك شائكة شاهقة الارتفاع لا يستطيعون الخروج من قراهم وبلداتهم تلك المقسمة المعزولة بعضها عن بعض او الدخول اليها الا عبر بوابات حديد وحشية يحرسها جنود الاحتلال.

لقد بات اولئك السكان الذين دخل "الجدار" في مرحلته الاولى الى حياتهم لينغص عيشهم, مهددين بالتهجير او مرغمين عليه لأن الخروج من العيش في ظل الوحش الشاهق سيكون الخيار الوحيد بدلاً من حياة السجن والفقر والانقطاع عن الارض والاقرباء والاصدقاء.

ان امام الزعماء العرب وهم يستعدون لقمتهم المقررة اواخر الشهر المقبل امتحاناً صعباً يشكل فيه منع تحقق النكبة الجديدة في فلسطين والمساعدة في استعادة العراق سيادته واستقلاله التامين دليل اجتيازه.

لكن لا بد للزعماء العرب, من اجل مواجهة هذا التحدي, من التحرر من عقدة الخوف من السطوة الاميركية والغطرسة الاسرائيلية, خصوصاً وان التكامل بين سياسات واشنطن وتل ابيب بلغ اوجه في عهد كل من شارون والرئيس الاميركي جورج بوش على رغم "رؤية" بوش المعلنة بخصوص دولتين, فلسطين "القابلة للبقاء" الى جانب دولة اسرائيل.

الواضح ان بوش ليس مستعداً او قادراً على ازعاج اسرائيل او اللوبي الموالي لها في الولايات المتحدة في سنة انتخابات الرئاسة. ويبدو واضحاً ان كل ما تستطيع ادارة بوش عمله, وبالاحرى اقتراحه على اسرائيل, هو ابقاء الوضع الراهن في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي كما هو عليه من دون السماح بوقوع خضات او هزات او تحولات كبيرة. ولكن الحليف الاسرائيلي ليس في وارد الكف عن اعتداءاته على الفلسطينيين او وقف بناء الجدار الفاصل داخل وعلى اراضي الضفة الغربية وليس على مسار مطابق للـ "الخط الاخضر" الذي هو "حدود" 4 حزيران (يونيو) 67. وعلى رغم الانتقادات الكثيرة والقوية لـ "الجدار", ومن احدثها تلك التي صدرت عن الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي انتقده باعتبار "مساره غير مطابق للقانون الدولي" و"يجرد ألوف الفلسطينيين من اراضيهم", فإن اسرائيل تتحدى المجتمع الدولي و"لن ترضخ لضغوطه" بشأن بناء "الجدار", حسب قول نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الجمعة في موسكو.

ان شارون الذي تتهدده وابنيه عومري وغلعاد تهم الفساد المالي والرشوة اعلن فجأة خطته لاخلاء مستوطنات قطاع غزة باستثناء ثلاث منها في شمال القطاع بهدف تحقيق غايتين هما ابعاد الانظار عن قضايا الفساد تلك والامل باقناع ادارة بوش بالسماح لاسرائيل, عملياً, بضم معظم اراضي الضفة الغربية. وهذا ما ينبغي للعرب منعه باي ثمن والاصرار على انسحاب اسرائيل من الضفة والقطاع. عن: "الحياة"