تجري منذ فترة غير قليلة مناقشات حول ضرورة وأهمية إجراء الانتخابات البلدية والمحلية، وفي لحظات معينة وارتباطا بالمناخ العام المرتبط بالحديث عن دمقرطة المجتمع الفلسطيني واستجابة أحيانا أخرى للضغوط الخارجية يأتي ذكر هذه الانتخابات إما قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، او بعدها ، وأحيانا أخرى يقال انه من المهم أجراءها قبل السياسية لأخذها كمعيار لاحق ، وهكذا فإن مصدري الخوف والتخويف من نتائجها لجهة سيطرة لون سياسي معين او غلبته على بعض او غالبية المدن الكبيرة شجعت أوساطا كثيرة للتعامل مع موضوع الانتخابات بحذر وحساسية كبيرة، وكان الأمر سيكون تكرار لتجربة الجزائر في الانتخابات البلدية قبل انفجار الأزمة هناك .
ومما لاشك فيه فإن ذوي المصالح الخاصة والمستفيدين من حالة الترهل والفوضى، وإحلال الأشخاص وجماعات المصالح بديلا للشعب وقواه الحية، هم المستفيد الأول والأخير من حالة الشلل التي تعيشها البلديات منذ سنوات ارتباطا بتكرار أزمة التعيين التي تولد وما زالت تنافسا غير شريف وتكريسا لعلاقات اجتماعية تعود لمجتمعات ما قبل الحداثة.
ويساق لتبرير استمرار الوضع الراهن عما هو عليه وجود الاحتلال ودوره في إعاقة العملية الانتخابية، متناسيين إن أول انتخابات خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية كانت تحت الاحتلال وفازت بها رغما عن الاحتلال، وكرست تمثيلية المنظمة للشعب الفلسطيني رغما انه كان تحت الاحتلال، وهذه الذريعة المستخدمة وان كانت واهية ولا تستحق الكثير من العناء لدحضها، فإن هناك الكثير مما يمكن أن يقال ارتباطا باللحظة السياسية الراهنة.
إن الوضع في المنطقة يمر في حالة من الشلل والجمود ارتباطا بالانشغال الأمريكي في الانتخابات الداخلية باعتبارها الاهتمام الأول للإدارة الحالية، وكذلك في الأزمة التي تتفاقم في العراق، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية وفي أحسن الأحوال سوف تعمد الى إدارة الأزمة، بدلا من الانغماس في حلها.
إن شارون وحكومته وهم يقرؤون جيدا الوضع الحالي للإدارة الأمريكية وحاجتها المتزايدة لدعم اللوبي الصهيوني بالأموال والأصوات سيجدون في شلل الإدارة الحالية فرصة لفرض وقائع استراتيجية على الأرض تتمثل بمواصلة بناء جدار الفصل العنصري في سباق مع الزمن.
إن القراءة للوضع العام تدفعنا الى استخدام كافة الوسائل لمليء الفراغ السياسي الحاصل على الأقل داخليا، وخوض معارك مع الإدارة الأمريكية لا تستطيع التهرب منها بدوافع ( حرصها على الديمقراطية ) وذلك للتعطيل ما أمكن على مشروع شارون أحادي الجانب من جهة، ولتفعيل الوضع الداخلي الفلسطيني، في سياق المواجهة المحتدمة مع المشروع الصهيوني لمصادرة الأراضي وتهويد القدس والتهجير القسري للشعب الفلسطيني من وطنه بعد سلبه مصادر عيشه.
ومما لاشك فيه لو أن الانتخابات البلدية والمحلية قد حدثت قبل اندلاع الانتفاضة لكان الوضع الشعبي على الأرض وأشكال المواجهة والتنظيم أكثر بعدا وفاعلية مما هي عليه الآن.
ولكن الآن وفي الظرف المستجد على مستوى المواجهة السياسية، فإن إجراء الانتخابات سواء الرئاسية والتشريعية أم البلدية والمحلية لم تعد ترفا فكريا او تقليدا ديمقراطيا ينبغي الحرص على استمرار مزاولته بقدر ما هي حاجة ماسة لتفعيل أوسع القطاعات الجماهيرية والحية من المجتمع الفلسطيني وزجها في معركة المصير التي ستحدد شكل ومضمون الكيان السياسي الفلسطيني المقبل.
ومن هنا فإن مسالة الاستمرار بالتأجيل علاوة على أنها مخالفة لروح ونص الدستور( القانون الأساسي) الفلسطيني في مادته 85 والفقرات/ 3/4 / ، فإنها مثار استيلاد متواصل لإشكاليات يعاني منها المجتمع الفلسطيني وتواصلها يزيد من حالة الاحتقان الداخلي ، والهروب منها لا يحل المشكلة وخصوصا ارتباطا بالتخوفات السياسية السابقة الذكر، لان من شان التأجيل أن يزيد من تلك المخاطر لا أن يقللها .
أن استثمار الفرص وتوظيفها خدمة لمصالح الشعب الفلسطيني هي تلك الميزة التي تحلت بها القيادة الفلسطينية، ولا يجوز الآن أن تفوت هذه الفرصة ومن هنا، - فإن التسريع بإصدار قرار سياسي يحدد موعدا للانتخابات على أن تكون بشكل تدريجي وحيث أمكن ذلك ارتباطا بظروف كل مدينة او بلدة، ووفقا لأجندة زمنية محددة يضعها وزير الحكم المحلي لإجرائها.
- أن تجري عملية التعديل على القانون بأضيق إطار وبأسرع وقت ممكن حتى لا تتحول مسالة التعديلات على القانون سببا وذريعة لاستمرار التأجيل.
- حسم الجهة التي ستشرف على الانتخابات هل هي اللجنة الخاصة المشكلة بالسابق والتي أصبحت بحاجة لإعادة تشكيل، أم أن تقوم لجنة الانتخابات المركزية بالأشراف على الانتخابات، باعتبارها لجنة تتسم بالحيادية والاستقلالية، ومن الأفضل ليس لهذا السبب فقط ادرارتها وإشرافها على الانتخابات، وإنما حتى تكون جهة واحدة رسمية بالبلاد تدير العملية الانتخابية.
-أن تتخذ إجراءات عملية ملموسة لجهة تحديث سجل الناخبين وهو على أية سيفيد في كلا الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية والمحلية.
ان مدى قدرتنا على الاستجابة لنبض الشارع التواق للتغير ن والى الحاجة الى تأطير قوى شعبنا في المواجهة المحتدمة الآن والمرشحة للتصاعد تفرض علينا اخذ الخيار الديمقراطي بصرف النظر عن أية( مخاطر) حقيقية أم مفتعلة.