ليست هذه هي المرة الاولى في تاريخ الصراع مع الفلسطينيين التي تطرح فيها مسألة قتل ياسر عرفات أو عدم قتله على المحك. القضية كانت قد طرحت في السابق في الفترات التي كان عرفات يعتبر فيها قائدا رياديا ذو مكانة دولية ووطنية. اريئيل شارون كان ضالعا في كل تلك الحالات بهذه الطريقة أو تلك إبان شغله لمنصب وزير الدفاع. من هنا يمكن القول ان الوضع الحالي ليس جديدا عليه.

الحالة الاولى معروفة: في حرب لبنان (1982) سعت الاستخبارات وسلاح الجو للمس بعرفات في بيروت المحاصرة. الا ان مساعيهم باءت بالفشل رغم الاصابات القريبة من الجو. وعندما انتهت المعارك قرر رئيس الوزراء مناحيم بيغن ايقاف محاولات المس المباشر بعرفات. يبدو انه اعتقد ان من الواجب التعامل معه كزعيم وطني رغم انه اعتبره ارهابيا. لذلك لم يصادق على اقتراح اغتياله من خلال قناص عندما صعد مع قواته المنسحبة على سفينة الاخلاء التي نظمها الامريكيون. الصورة التي التقطت لعرفات أشارت الى ان المهمة لم تكن صعبة. الا ان عرفات نجا.

الامر الذي لا يعرفه الكثيرون هو ان اسرائيل قد قامت بخطوات لتصفية عرفات بعد حرب لبنان في حالتين اخريين. المرة الاولى كانت من خلال اصابة طائرته وهي محلقة في سماء البحر الابيض المتوسط. لم تكن بينه وبين الاصابة المباشرة الا مسافة قصيرة، الا ان الضابط الأعلى الذي كان مكلفا بإعطاء الاوامر خاف في اللحظة الأخيرة لسبب غير معروف وتراجع عن قراره. الضابط قال لاصدقائه انه شك بأن هذه العملية لم تحصل على مصادقة رئيس الوزراء مناحيم بيغن. شارون غضب طبعا الا ان تفسير التفسير الذي قدم له كان انه لم تسنح فرصة مواتية لتنفيذ العملية ميدانيا.

الحالة الثانية كانت تتضمن خطأ جسيما كان من الممكن ان ينتهي بوضع اسوأ ما يكون. الاستخبارات علمت ان طائرة مدنية تقل على متنها 20 فلسطينيا من المقاتلين في بيروت الذين تلقوا العلاج في اليونان ستقلع الى مصر وعرفات على متنها. سلاح الجو تلقى أمرا في هذه الحالة ايضا بإسقاط الطائرة. رئيس هيئة الاركان في ذلك الحين كان رفائيل ايتان. قائد سلاح الجو دافيد عبري شكك في جودة المعلومات الاستخبارية وطلب مرارا وتكرارا اعادة فحص المعلومة بصورة جذرية. وقد كان الحق الى جانبه في ذلك. عندما كانت الطائرة في الجو اتضح ان عرفات موجود فيها، ولكنه ليس ياسر وانما شقيقه الدكتور فتحي عرفات رئيس جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني.

عرفات ليس المثال الوحيد لزعيم عربي متطرف يشكل خطرا على اسرائيل، الامر الذي يدفعها لاغتياله. ولولا الحادث الذي قتل فيه خمسة من أفراد وحدة هيئة الاركان الخاصة إبان تلقيهم التدريبات لقتل صدام حسين لكان من المتوقع ان يصادق رئيس الوزراء في حينه اسحق رابين على العملية. في الخمسينيات كان هناك من داعبوا خيالهم باحتمالية اغتيال جمال عبد الناصر بصورة خاصة واستثنائية. الفكرة سقطت في حينه قبل طرحها على المصادقة.

عدا عن حالة صدام حسين كان الاتجاه العام وعن حق هو عدم المس بالقادة السياسيين. ومع ذلك كانت اسرائيل تسير على الحافة في هذه القضية وطرحت التساؤل: هل يجب ان تكون هناك حصانة للزعيم السياسي الذي يصادق على العمليات الارهابية؟ هل يحظر المس بقائد مثل اسامة بن لادن مثلا؟ أبو جهاد كان رئيس هيئة اركان ووزير دفاع فلسطيني، وكان ضالعا شخصيا في تخطيط والمصادقة على العمليات الارهابية الا انه كان زعيما سياسيا بارزا في نفس الوقت. أحداث الانتفاضة الاولى هي التي شجعت عملية اغتياله. في ظروف خاصة إبان الحرب لم تُكثر اسرائيل من التشكك والتردد في الإقدام على تصفية قيادي ضالع في الارهاب. الحالات البارزة من الآونة الأخيرة هي حادثة أبو علي مصطفى زعيم الجبهة الشعبية التي تسببت في قيام الفلسطينيين بقتل الوزير رحبعام زئيفي ومن ثم عملية اغتيال احمد ياسين قبل مدة.