من المقرر ان تنتهي ظهر اليوم الهدنة التي اعلنها الدكتور اياد علاوي رئيس الحكومة العراقية المؤقتة لافساح المجال امام الجهود التي يبذلها السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلي لايجاد مخرج سلمي لازمة حصار النجف الاشرف والصحن الحيدري، ولكن ايا كانت النتائج، فان الحقيقة التي باتت ساطعة للعيان تتلخص في القول ان لا كرامة لهذه الامة، بشقيها الشيعي والسني، ولا قيمة لمقدساتها.

فقد توقعنا ان قصف النجف الاشرف من قبل الطائرات الامريكية، ووصول الدبابات الي امتار من مرقد الامام علي كرم الله وجهه، سيحركان الجماهير العراقية والاسلامية، للرد علي هذه الاهانة، وانقاذ المقدسات، ولكن توقعاتنا هذه لم تكن في مكانها للأسف، فالذين اعتبروا هذه المقدسات خطوطا حمراء وفضلوها علي الوطن، لم يحركوا ساكنا، ولاذوا بفضيلة الصمت، بل وشككوا في نوايا المدافعين عنها ودوافعهم.

حالة الموات العربي والاسلامي هذه تجعلنا نضع ايدينا علي قلوبنا، ونخشي ان تقدم العصابات الاسرائيلية علي حرق المسجد الاقصي، وهي مطمئنة الي عدم حدوث اي رد فعل رسمي او شعبي، بل وربما مهاجمة الاماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

القنابل الامريكية تسقط علي رؤوس المصلين في الكوفة والنجف وقبلها في الفلوجة، ويستشهد العشرات، ويصاب المئات، ولا احد يتحرك، وكأن هؤلاء الشهداء الآمنين المطمئنين في بيوت الله ليس لهم علاقة بالعقيدة او حتي الانسانية.

العراق كله مقدس، مثله مثل اي ارض عربية او اسلامية، وصمت البعض، وتواطؤه مع مخططات الاحتلال، والتطوع لتنفيذها وتسهيلها، هو الذي شجع علي استباحة المناطق المقدسة وارتكاب مجازر فيها بالطريقة المهينة والمخجلة والدموية التي نراها حاليا.

السيد السيستاني عاد الي العراق من رحلته العلاجية لكي يلعب دور الوسيط. ويغرق في دهاليز الدبلوماسية وألاعيبها، ويدخل في تنافس علي الزعامة مع شخص يفترض انه من تلاميذ تلاميذه، مدفوعا بطموحات بعض الذين يلتفون حوله، ويريدون تحقيق مكاسب سياسية. المرجعيات الدينية يجب ان تكون منزهة عن الامور الدنيوية، وان تنحاز دائما لخندق المقاومة، وانهاء الاحتلال، ورفع مظالمه، ولكن ما نراه في العراق حاليا هو امر مفاجئ بالنسبة الينا. فمن رفع السلاح في مواجهة الديكتاتورية، لا يجب ان يوظفه في خدمة مجازر النجف، وقصف العتبات المقدسة، بصورة مباشرة او غير مباشرة.

في الاشهر الماضية كنا نخشي من حدوث حرب اهلية طائفية، بين الشيعة والسنة في العراق، والوقوع في فخ الفتنة التي يبذر بذورها الاحتلال والقادمون علي ظهور دباباته، ولكن بعد خسارة هذا الرهان، والتفاف معظم العراقيين حول ظاهرة المقاومة، والتلاحم الشيعي السني في الدفاع عن المقدسات ودعم المدافعين عنها، بتنا الآن نخشي لا سمح الله من حدوث مواجهات بين ابناء الطائفة الواحدة، تحت ذرائع متعددة من بينها اخلاء الصحن الحيدري، واخراج المسلحين منه.

فاللافت ان اليومين الماضيين اظهرا تنافساً علي عرض العضلات العقائدية، وحشد الاتباع، لاقــــناع الولايات المتحــــدة وغيرها، بان هذا الطرف اقـــوي من ذاك، واكثر شعبية ونفوذاً.

السؤال المطروح حالياً هو عن النتائج التي يمكن ان تترتب علي فشل الوساطة الحالية لحل أزمة النجف الأشرف، فهل نري اشتباكات مسلحة بين الجانبين، او انحياز انصار السيد السيستاني، وهم الأغلبية حالياً، الي جانب حكومة الدكتور علاوي المعينة من قبل البيت الأبيض واجهزته الأمنية الاستخبارية؟

نحن امام معضلة حقيقية في العراق، هي تجسيد لمعضلة اكبر تعيشها الأمة الاسلامية، نتمني علي علماء الدين الأفاضل ان يقدموا تفسيراً لها، فهذا في رأينا اجدي من اصدار البيانات التي تنعي حالنا، وتتحدث عن العدوان الذي يستهدفنا في العراق وفلسطين.

في العراق شهداء يسقطون يومياً بالعشرات وربما بالمئات، وفي فلسطين شهداء واسري، ولا يجد هؤلاء جميعاً من يتعاطف او يتضامن معهم. وانحسر دور العرب والمسلمين في متابعة الاخبار عبر القنوات الفضائية.

انها حالة مرضية بكل المقاييس، تحتاج الي تشخيص نفسي وسياسي، للوصول الي بوابة الخروج منها بأقل قدر ممكن من الخسائر.

نعم بتنا نخاف علي الأقصي والكعبة المشرفة، والحرمين المكي والنبوي الشريفين، فالمقدسات الاسلامية تنتهك وتتراجع اهمية قداستها، سواء لدي الاعداء، او لابناء العقيدة نفسها، ويتساوي في هذا ابناء الطوائف جميعاً. وهنا تكمن قمة المأساة. - القدس العربية -