كثيراً ما تطرقنا الي موضوع الكويت، في جلساتنا مع الشهيد الرمز ياسر عرفات. فقد سمعت منه مرتين، ما سمعه غيري مرات عدة، عن تدخلاته، وبرجاءات فيها امساك من زنار الرئيس صدام حسين، لكي يسحب قواته من الكويت. وكان المرحوم أبو عمار، عندما يختتم سرده للقصة، يقول انه أقنع ذات مرة، صدام حسين بالانسحاب، أو هكذا فهم من رده، ثم يتمتم الختيار بصوت خفيض: لكن... سامح الله الذي دخل بعدي، ونجح في تغيير رأيه. ولمح الرجل الي القائد العربي الذي فعل ذلك!

أبو عمّار لم يكترث بما قيل عن موقفه، ولم يشأ أن يروي الحكاية الصحيحة، لأن العراق كان محاصراً، وكان الخناق يضيق عليه يوماً بعد يوم، وكان الزعيم الفلسطيني، يعتبر تصويب الروايات عن تأييده للاحتلال العراقي للكويت، عاملاً سياسياً من شأنه تعزيز منطق الحصار وتضييق الخناق علي الشعب العراقي، في مرحلة تجميع البراهين الكاذبة علي ضرورة استمرار استهداف العراق والتربص به، وانقلاباً علي بلد لم يتعرض لما تعرض له، إلا بسبب موقفه المساند للقضية الفلسطينية. فالعراق، بصناعاته العسكرية، وبنهوضه، كان يتقدم بخطي متسارعة، نحو توازن استراتيجي في المنطقة، وهو التوازن الذي تحاربه الصهيونية، حتي وإن كانت نشأت مرتكزاته في باكستان البعيدة!

موضوع احتلال الكويت، أمر لا يقبله الشعب الفلسطيني وقيادته، لكن الشهيد ياسر عرفات، لم يكن أمامه إلا أن يعارض التدخل العسكري الأمريكي لتدمير العراق. ولو أعطيت الفرصة لبقايا الديبلوماسية العربية آنذاك، لانسحب صدام حسين من الكويت، بدون بدء عملية متسلسلة لتدمير العراق، لم تنته حتي الآن فصولاً. ذلك علي الرغم من قرارات الضم وبيانات الرفض ـ العراقية ـ للانسحاب. فالديبلوماسية العربية انقسمت الي جزءين، أحدهما عطّل نفسه بنفسه، لكي يترك الأمور للآلة العسكرية الأمريكية، بينما الثاني تعرض للتهريج والتصنيف، بأنه مؤيد للاحتلال العراقي، فتعطل في مناخ الإنقسام وتداعياته. وما زال العراق، يعاني حتي الآن، من الغزو الأمريكي، وتتعرض وحدة شعبه، للانقسام الطائفي، وتُسفك دماء ابنائه، والمخاطر مرشحة للتمدد في المنطقة!

كانت الأمور قد اختلطت بأفعال فاعلين، ليصعب وضع الخيط الفاصل، بين تأييد احتلال الجيش العراقي للكويت، ورفض الغزو الأمريكي للعراق. لكن الرئيس الراحل ياسر عرفات، بنظرته الاستراتيجية للأمور، لم ير أن الاختلاف مع صدام حسين حول احتلال العراق، يبرر القطيعة معه، بينما رأي الآخرون، أن استمرار العلاقة الفلسطينية معه، تبرر القطيعة معنا، بل وتبرر شطب القضية الفلسطينية، مثلما تبرر ما جري للجالية الفلسطينية، بعد إخراج القوات العراقية من الكويت. فقد تأذينا وحلت بنا نكبة أخري، وكلما مرت الأيام، تبخرت مواقف كل الشعوب والدول، لنصبح وكأننا نحن فقط، الذين عارضنا التدخل الأمريكي، بل أصبحنا وكأننا نحن الذين غزونا الكويت، أو حرّضنا علي غزو صدام حسين لها. ذلك ببساطة، لأن رأسنا فقط، كان هو المطلوب، من الحكاية كلها. نعم رأسنا وقضيتنا!

لم نؤيد احتلال الكويت، وينبغي أن يعتذر الآخرون، عن تغريمنا، من الدم ومن المصالح، ومن عناصر القوة السياسية، ومن القطيعة، علي أساس أننا أيّدنا، أو حتي علي أساس أننا غزونا. ومن المفارقات، أنني كتبت في القدس العربي في اليوم التالي للاجتياح العراقي للكويت، أعارض ما حدث، وأقول بأننا سندفع ثمن هذه المغامرة العراقية، لأننا نحــن المطلوبين!

في الكلام التلقائي للراحل أبو عمّار، كان هناك ما يدل علي رفض ما حدث من صدام حسين. فذات يوم، كان عائداً من الحفل الثاني في البيت الأبيض، للتوقيع علي اتفاق تطبيقات أوسلو، وأمضي ليلته في الجزائر. كان رحمه الله يتحملنا، وقد عاتبته أمام عدد من الإخوة، علي الاتفاق المخادع، ووصفت أوسلو بالمصيدة، فرد قائلاً ما معناه: ماذا في وسعي أن أفعل؟ وأضاف بالحرف الواحد: حليفك الدولي إنهار (يقصد الاتحاد السوفييتي) وحليفك العربي القوي، هزم نفسه! .

نقول ذلك إنصافاً لأنفسنا، باعتبار اننا شعب لا يقبل احتلال أراضي شعب آخر بالقوة، وإنصافاً للشهيد ياسر عرفات، باعتباره وفياً لا ينكر علي الكويت مساندتها للثورة الفلسطينية، وتعبيراً عن قناعتي بعدم وجوب الإعتذار! - القدس العربي -