هل من الممكن استخدام المثل العربي المعروف تمخض الجبل فولد فأرا، عن خطة شارون للفصل الأحادي الجانب والانسحاب من غزة بدون التنسيق مع الفلسطينيين وفرض سياسة الأمر الواقع، وهل تقلص هذا الجبل الجليدي من خطة حظيت من سيد البيت الأبيض بالمباركة والدعم غير المسبوق سياسيا من قبل أي إدارة أمريكية للتحول الى خطة مجزئة وعلى ثلاث مستوطنات من معزولة في غزة يصعب الدفاع عنها حسب أقوال الجنود التي يحرسونها وبتعبير احدهم أصبحنا كالعبيد عند ستون مستوطنا في إحدى هذه المستوطنات.
شارون الذي يصر على تمرير خطته المعدلة للانسحاب أحادي الجانب يبني موقفه على جملة من الاعتبارات والتي تتصل بالحفاظ على المكاسب التي يعتقد انه قد حققها بمجرد طرح الخطة الأساسية ويخشى إن لم تتواصل هذه الخطة فإن هذه المكاسب سوف تنتهي وبالتالي سوف تدخل إسرائيل في فترة جديدة من الجمود السياسي والدبلوماسي لا تستطيع الصمود فيها أمام الضغط الدولي وخاصة الأوروبي .
والمتتبع لمنطق شارون في سجاله مع خصمه اللدود نتنياهو حول خطة الانفصال عن الفلسطينيين فإنه في مجال تبريره لخطته والدفاع عنها وخلق المناخات في الحكومة لتمريرها، يصر على إن المكاسب التي حصلت عليها إسرائيل من إدارة الرئيس بوش جراء طرح هذه الخطة وخصوصا فيما يتعلق بقضية اللاجئين والحدود هو موقف غير مسبوق من الإدارات الأمريكية وبالتالي إذا لم تواصل إسرائيل خطتها فإنها علاوة على أن مصداقيتها أمام هذه الإدارة سوف تهتز، فإن هذا المكسب مهدد بالضياع والتراجع عنه خاصة وان هناك أصوات في الإدارة الأمريكية تلوم الرئيس بوش على تسرعه بإعطاء الوعود والدعم لخطة لم تنل الموافقة الداخلية في حكومة شارون.
الأمر الثاني والمهم والذي يقلق شارون أن فشل مشاريعه للفصل الأحادي الجانب وهو ما يعول عليه كثيرا لإحباط وإنهاء ما تبقى من خطة خارطة الطريق وطرح مشروعه الخاص للتسوية المبني على استبعاد الشريك الفلسطيني، وبالتالي تجاوز المراحل المتضمنة في خطة خارطة الطريق والمبنية أساسا على الشراكة مع الطرف الرسمي الفلسطيني الذي يحاول أيضا في مشروعه القفز عنه وتجاوزه وتهميش دوره .
إن مصدر قلق شارون الأساس أيضا حالة الجمود السياسي التي من الممكن أن تدخلها حكومته في ظل تزايد المصاعب الداخلية الاقتصادية والاجتماعية وفي ظل أيضا انسداد أفق عملية السلام وعدم القدرة على تجاوز الوضع الصعب في المعادلة الإقليمية والفلسطينية.
والسؤال الرئيس المطروح الآن هل أن المعارضة لخطط شارون من قبل اليمين المتطرف وأركان حكومته وكذلك من وزير المالية نتنياهو وبعض الوزراء الآخرين من حزبه، هل هؤلاء لا يقرءون المعادلة السياسة كما يقرئها شارون ،أم انه يبدى موقفا وطنيا حريصا على إسرائيل ومصالحها الاستراتيجية في حين هؤلاء الأشخاص وما يمثلون من بنى سياسية وحزبية وامتدادات فكرية وسياسية في المجتمع الإسرائيلي يعيرون فقط اهتماما لمصالحهم الشخصية كما يصفهم شارون، أم أن لهم قراءة أخرى مغايرة لقراءة شارون للمعادلة القائمة .
الواقع أن المتتبع للسجال الصراعي بين نتنياهو وشارون يرى في أن الأول وهو الأكثر قدرة عن التعبير عن هذا التيار اليمني المتطرف يتخذ من تصويت أعضاء الليكود الشهر الماضي على خطة شارون وهزيمتهم النكراء لشارون وخطته المدخل الأساس في رفض الخطة باعتبار أن شارون لا يحترم إرادة حزبه ولا النتائج الديمقراطية. وفي هذا محاولة للتعمية على الجوهر الحقيقي للصراع على مراكز القوة والنفوذ حيث يرى نتنياهو أن الوقت ملائم جدا لتوجيه ضربة لشارون لإخراجه من الحلبة السياسية ومن الليكود بدعم من اليمين ومن الليكود وغيره ،ويدعي الآن أن لديه تشكيلة حكومية جديدة بأغلبية 61 عضوا .
وكما هو واضح إن نتنياهو ليس قلقا جدا على مصير بوش ولا على الإحراج الذي يسببه له رفض خطة شارون وإسقاطها لعلمه المسبق إن الإدارة الآن في مرحلة انتخابات وهي في اضعف حالاتها وهي بحاجة لدعم اليمين الصهيوني هناك في الولايات المتحدة . علاوة على ذلك فإنه يعتقد إن ما حصلت عليه إسرائيل من مكاسب سياسية غير مسبوقة برسالة الضمانات من إدارة بوش أصبحت شيكا مسحوبا على حساب الإدارة الأمريكية الحالية في حال إعادة انتخابها او لأي إدارة أخرى قادمة إذا ما فشلت هذه الإدارة بالعودة للبيت الأبيض .
غير أن الصراع الضاري الآن في أوساط الليكود وداخل كتل اليمين والتهديدات التي يطلقها شارون بإقالة الوزراء المشاغبين والذين لا يحترموا القاعدة الائتلافية قد تضع مصير هذه الحكومة عل المحك الفعلي فهناك عدة احتمالات تبدو بالأفق : - أن ينجح شارون بممارسة ضغوط عل حكومته وأعضاء حزبه في الوزارة وخارجها ويمرر خطته بالتقسيط المريح كما هو مقترح . - إما يجري تعديلا طفيفا بالحكومة ويقيل وزراء من الليكود والأحزاب المتطرفة مثل أيتام وليبرمان ويكون أمام تشكيلة جديدة تحمل أحدى السمتين التاليتين ، الأولى إما حكومة ائتلاف من القوى الدينية يشارك فيها حزب شاس ويهودات هاتوراه ، وإما حكومة علمانية بالكامل يشارك فيها حزب العمل وشينوي فقط ، وتكون وفقا لقاعدة سياسية مختلفة . - او أن لا ينجح شارون بتغيير في حكومته ويضطر لتقديم موعد الانتخابات والتخلص من إزعاجات حلفائه وليغير من تركيبة ممثلي حزبه في الكنيست الجديدة . - والاحتمال الأخير أن يؤدي إصرار شارون الدخول في مغامرة قد تؤدي الى انشقاق الليكود وخروج نتنياهو بأغلبية كبيرة مع قوى اليمين المتطرف كما يدعي . ويصرف النظر عن مدى أرجحية أي من الاحتمالات المذكورة فإن شارون واقع لا محالة في مأزق جدي ، ينبغي على الفلسطينيين اولا وقبل كل شيء وقبل أي طرف آخر عدم ألقاء حبل النجاة له برفض خطته جملة وتفصيلا ، وعدم التعاطي معها بحجة أنها سوف تفتح المجال لاشتباك تفاوضي وغيره من الأوهام التي قد تسوق ، مع الإمكانيات التي تدرس لإغراء مصر والأردن للعب دور ما في أطار هذه الخطة .
إن الموقف الفلسطيني هو الأساس الذي في ضوءه يتحدد الموقف العربي وكما هو واضح من رسالة الرئيس مبارك لشارون انه لم تحصل الاستجابة المطلوبة، ولا كذلك من الأردن الشقيق ، لكن بقي أن تفضح أكذوبة أن هذه الخطة هي جزء من خطة خارطة الطريق وهي ليست بحاجة لكبير عناء لاكتشاف أنها لا تمت بأي صلة بخطة خارطة الطريق لأنها منذ البداية تتعارض معها ، سواء برفضها للشريك الآخر ، او بمواصلة الاستيطان ، ومن ضمنه بناء جدار الفصل العنصري ، او بوقف الأعمال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني .
إن الموقف الفلسطيني الواضح والرافض للتعامل مع خطة شارون أي كان لونها سيعزز أيضا من الموقف الأوروبي والدولي الآخر الرافض للاحتكار الأمريكي للعملية السياسية وللموقف الإسرائيلي الذي لا يريد إعطاء دور للأطراف الأخرى التي لها مصالح في المنطقة، ومن هنا فإن لا مصلحة للفلسطينيين في إنقاذ شارون ولا مصلحة لهم في تبديد قواهم وخسارة حلفائهم.