لم يكن شتاء معبر رفح، ولا ربيعه، خلال السنوات الثلاث الماضية، أقل عذاباً بكثير، من صائفته. ولعل الفارق، بين الفصول الثلاثة، والصيف، أن أيام الحشر الصغري، علي المعبر (تاركين وصف الحشر الكبير، ليوم القيامة) ترمي في جهنم، وبغير ذنب أو بلا ميزان، بالمزيد من السيدات والأطفال، ممن قي رفقة أوليائهم، الساعين في مناكب الأرض، عن الرزق الحلال. غير أن أحداً من الممسكين بمقاليد الأمور، من الأطراف الثلاثة، ذات الصلة المباشرة بالمعبر، لا يُبدي اكتراثاً بالرأي العام الفلسطيني، مثلما لا تبدي هذا الاكتراث، منظمات حقوق الإنسان، والحكومات الأخري، المتشدقة بالحديث عن الحرية، وعن كرامة الجنس البشري وآدميته!
وإن كنا، لا نستغرب استهتار العدو، بكرامة الناس وآدميتهم، فإننا نستغرب استهتار الطرفين، الفلسطيني نفسه، والمصري الشقيق، بهذه الآدمية، مثلما نندهش، من خبث العدو، الذي يتسبب في مأساة الحشر علي الجانب المصري، من خلال التلكؤ المتعمد، في السماح للحافلات بالدخول، ثم ممارسة أقصي درجات الضبط للنظام، مع توفير الراحة والرشاقة الإدارية، لمن يصلون الي الجانب الذي يسيطرون عليه، للزج بالناس في مقارنات سريعة، بين الوضع علي الجانبين، لتصبح الأرجحية لنظامهم ورشاقتهم!
الجانب الفلسطيني يلخبط عند بوابة المعبر، ويفعل الشيء نفسه، من خلال ذميمة التنسيق العشوائي الانتقائي، من علي الجانب المصري. أما المصريون، فإن خللاً إدارياً عندهم، يجعل العقبات الإسرائيلية أسوأ جحيماً، عند تحميل الحافلات وحشرها، في تدافع مرير للناس، وعلي النحو الذي وصفه العزيز أحمد دحبور، في عدد يوم الجمعة الماضي. ولكي لا يكون الكلام جزافياً، يجدر الإشارة الي أن الأخذ بالأسلوب الأردني، الذي يعتمد تسجيل المسافرين، بالأرقام، وعبر الكومبيوتر، في مراكز عدة، بعيدة عن الجسر، ليدخل العابرون الي المنفذ، في أوقات أدوارهم، وبالنظام، وبدون إمكانية بيع أسبقيات الصعود الي الحافلة، يمكن أن يحل معظم مشكلات الجانب المصري، أو يجعل المتبقي من هذه المشكلات، ما له صلة بضرورات الاتصال، لتفعيل الحركة علي المعبر، إما بموجب أوسلو إن كان فيها شيء حي، أو بموجب كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية، التي ما تزال حية ترزق!
الفلسطينيون ليسوا في حاجة الي المزيد من جلد الذات، ولا الي المزيد من نقمة الناس علي السلطة، لكي يستهتروا بموضوع المنافذ. ومصر، بلد التضحيات الكبيرة، والسياسة المساندة للاستقلال الفلسطيني، لا ينصفها القائمون علي إدارة غير فعالة علي المعبر، ولا يصح أن يظهر المحتلون، الذين هم سبب البلاء، أدق وأنظم وأحرص علي ترتيبات، تجعل الوصول اليهم، بداية النهاية لرحلة شاقة. نحن نظلم أنفسنا من حيث يجب أن ننصفها، لا سيما وأن الضرر المعنوي يلحق بالسياسات وبالمواقف، من خلال سوء الترتيبات التي يُفترض أنها تتعامل مع جموع بشرية، شديدة الحساسية والذكاء، ومنقوعة في السياسة، وترتب انطباعاتها صورة صورة!
فالأمر لا يقتضي، أكثر من وضع مركزين أو ثلاثة، لتسجيل العابرين، في العريش وما بعدها، لإعطاء الناس أرقاماً للدور، لكي لا يتزاحموا، ولكي يضمن كل مسافر مكانه في الحافلة، ولكي يتقلص عدد الباحثين عن تنسيق يستثنيهم من بعض المشقة، وعدد الراغبين في الاستثناء بطرق ملتوية. وفي حال حدوث أسوأ الاحتمالات، كإصرار المحتلين علي التباطؤ في العمل وحشر الناس علي الجانب المصري، يمكن أن تقضي الأسر العابرة، ليلتها في مدينة سياحية كالعريش، فيرتاح الناس وتنتعش المدينة. لكن الأساس، هو ضرورة رفع المسألة، مصرياً، الي المستوي السياسي، تلافياً لأضرارها المختلفة، لتفعيل إحدي اتفاقيتين، إما أوسلو ذات الصلة بالمعبر، الذي هو منفذ دخول للناس، أو كامب ديفيد التي نظمت ذلك قبل إبرام أوسلو !
وموضع لوم الجانب الفلسطيني، في هذا السياق، هو إهماله للاتصالات الحثيثة، مع الإخوة المصريين، لأن معظم القائمين بالاتصالات الأمنية والسياسية، هم من فئة الـ VIP الذين لا يعانون. وبصراحة، نحن ندفع ثمن هذا التخلي عن الواجب، من سمعة السلطة، ومن الموقف السياسي.
لا حاجة للتطرق الي جوانب أخري، من المعاناة، لأننا لا نتناول مأساة يتقصدها المتسببون فيها، من الفلسطينيين والمصريين. فلا خلفية سياسية، لهذه المأساة. لذا فإننا نستنكف عن عرضها تفصيلاً. غير أن الصيف قد أقبل، وبدأت توقعات المعاناة، فهل من تدبير سريع، يشطب إحساس المسافرين، بأن وصولهم الي صالة المحتلين، هو بداية النهاية لرحلة شاقة؟ - القدس العربي -