منذ فترة بعيدة تسائل كثيرون ماذا بعد عرفات, هذا السؤال عاد ليطفو على سطح السياسة الفلسطينية من جديد هذه الأيام اثر مرض الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ونقله للعلاج إلى فرنسا في معهد متخصص بعلاج الأورام السرطانية.

وعلى ما يبدو أن رؤى متباينة ظهرت في سطور ما كتبه مهتمون بالبحث عن إجابة لهذا السؤال, بعضهم سرح بعيدا واعتقد أن ما بعد عرفات سيكون صداما فلسطينيا كما أورد الكاتب الإسرائيلي داني روبنشتاين الذي أورد في مقال له " من دون عرفات ستبدأ في المناطق حرب الجميع ضد الجميع الأمر الذي يعزز البنية التحتية للإرهاب, وربما تنهار أجهزة الحكم الفلسطينية ويتطلب الأمر تدخلا دوليا " .

نضال حمد وهو كاتب فلسطيني أعاد الأمور إلى نصابها الطبيعي الذي يجب أن تكون عليه وهو أن الأمور ستؤل من بعد عرفات إلى المؤسسات الفلسطينية سواء التشريعية أو التنفيذية, لكنه في نفس الوقت شكك في وجود هذه المؤسسات وفعاليتها مما يضع الأمور في نفس الخانة التي انطلق منها روبنشتاين, يقول حمد " فاللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كانت ولازالت لجنة صورية، جسد بلا روح، بيت بلا جدران، غرفة من زجاج، شاهد زور، تقر ما يريده الرئيس وترفض ما لا يريده. أما المجلس الوطني الفلسطيني فقد تم الاستغناء عنه لصالح المجلس التشريعي مع أن الأخير لا يمثل سوى جزء معين من الشعب الفلسطيني ( في الضفة والقطاع) وأعضاؤه تقريبا من لون واحد باستثناء حالة شاذة هنا وهناك، بينما المجلس الوطني الفلسطيني يمثل نسبة كبيرة جدا من الفلسطينيين وهو مجلس وطني شرعي معترف به جماهيريا ودوليا، يبقى التشريعي مجرد تذكار من مأساة أوسلو " كثيرون هم الذين ينطلقون في تحليلاتهم لما سيكون بعد عرفات من هذه النظرة السوداوية التي تفضي بالنهاية إلى اقتتال فلسطيني فلسطيني, وقد يعذرون في نظرتهم هذه إذا ما قلنا أن الخلافات الكثيرة التي أفضت إلى مواجهات ما بين بعض الأجهزة الأمنية وبعضها البعض وبين بعض الشخصيات الفلسطينية الباحثة عن النفوذ أو السلطة, تجاوزت حدود المتوقع حين وصلت إلى حد المواجهة المسلحة في بعض الأحيان.

لكن عندما نتحدث عن ماذا بعد عرفات يجب أن نوسع دائرة الحديث والتحليل لان ما حدث في عهد عرفات من خلاف فلسطيني ليس من الضرورة أن يحدث في غيابه ذلك لأكثر من سبب وان كان أهمها أن من اختلفوا في عهد عرفات اختلفوا عليه أو معه كما يحب بعضهم أن يصف هذا الخلاف, لهذا فان سبب زوال الخلاف قد يمنع الخلاف أصلا من الحدوث. ناهيك عن أن من اختلفوا في عهد عرفات هم أصلا تلاميذ مخلصون لعرفات, بمعنى أنهم جميعا تخرجوا من مدرسة الحكم العرفاتية التي لا تعتمد منهج الصدام الفلسطيني كحل جذري للأمور وان كانت تسمح باستخدامه " لابراز العضلات أحيانا " من هنا ومن خلال ما نفهمه من طبيعة العلاقات على الأرض الفلسطينية ومن خلال طبيعة التحالفات الموجودة على الأرض الفلسطينية فإننا يمكننا القول بان ما بعد عرفات لن يكون هو الصدام الفلسطيني الفلسطيني, وقد يعتقد البعض أننا سنبالغ كثيرا إذا ما قلنا أن ما بعد عرفات سيكون هو عهد الاستقرار والهدوء الداخلي الفلسطيني, ونحن إذ نتحدث عن هذا الأمر فإننا ننطلق من أن عهد ما بعد عرفات لا بد وانه سيكون عهد الإجماع الفلسطيني للقيادة الفلسطينية, بمعنى انه قد يكون هو العهد الذي سيظهر للوجود القيادة الفلسطينية الموحدة, أو المرجعية الوطنية الفلسطينية للسلطة التي تحدث عنها الجميع كثيرا ونادت بها كافة الفصائل الفلسطينية خلال حوارات عدة جرت فيما بينها لكنها لم تر النور حتى الآن.

نقول ذلك ونطرح هذا التساؤل ونجيب عليه رغم قناعتنا بان هذا السؤال ما زال طرحه مبكرا جدا لأننا نعتقد بان الرئيس الفلسطيني سيعود قريبا إلى شعبه ليقوده من جديد بعد رحلة مرض قد لا تدوم طويلا. - وكالة فلسطيني برس -