لا بد ان الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة سيكون الاكثر سعادة بفوز الرئيس الامريكي جورج بوش بولاية ثانية، لانه وعد بعدم شن اي هجمات ضد الولايات المتحدة اثناء الحملة الانتخابية حتي لا يفوز المرشح الديمقراطي جون كيري.

نظرية زعيم تنظيم القاعدة بسيطة تقوم علي اساس فرضية مفادها ان نجاح الرئيس بوش في الانتخابات يعني استمرار سياساته العدوانية تجاه العرب والمسلمين، وتوسيع دائرة الحرب بحيث تشمل دولا اخري، مما يؤدي الي زيادة الكراهية للولايات المتحدة، وتوسعها بما هو فوق قدراتها العسكرية والمادية، مما يؤدي الي انهيارها في نهاية المطاف علي غرار ما حدث للاتحاد السوفييتي.

الرئيس بوش، وبعد فوزه باغلبية بسيطة جدا في الانتخابات الرئاسية، بات يقف امام خيارين لا ثالث لهما:

الاول: ان يستمر في السياسات التي اتبعها في ولايته الاولي، اي المزيد من سفك الدماء في العراق، وشن عدوان جديد علي ايران بتحريض اسرائيلي لتدمير برامجها النووية، ومواصلة الضغوط علي سورية، العسكرية والاقتصادية والسياسية، لدفعها للتعاون معه في حربه لقمع المقاومة الاسلامية والوطنية في العراق.

الثاني: الاعتراف بخطأ هذه السياسات ولو ضمنيا، والتوقف عن نظرية الضربات الاستباقية التي اقنعه بها المحافظون الجدد انصار اسرائيل، والتخلي عن العداء السافر للعرب والمسلمين، واعتماد الحوار كوسيلة لتسوية الخلافات.

نشك في استيعاب الرئيس بوش دروس فترة رئاسته الاولي والتعلم من اخطائها، والتخلي عن السياسات التي اتبعها وجعلت العالم اكثر اضطرابا واقل امانا واستقرارا، لان الرجل سيفسر نتيجة الانتخابات علي انها مبايعة له، ولسياساته، من الشعب الامريكي، فيصبح اكثر غرورا وعجرفة مما كان عليه في السابق في الاستمرار في السياسات التدميرية نفسها التي جعلته وبلاده علي قمة سلم الكراهية في العالم بأسره.

الرئيس بوش ليس رجل دولة، كما انه لا يمكن ان ينتمي الي قائمة العظماء من القادة، من امثال نهروا وتيتو وديغول ومهاتير محمد ونيلسون مانديلا، ولهذا نحن نختلف مع بعض الآراء التي تقول بانه يمكن ان يتصرف كزعيم كبير، ويعترف بالتالي باخطائه، ويستغل هذا الفوز في فتح صفحات جديدة مع كل الاطراف التي اختلفت معه وسياساته، وجعلت شعبية الولايات المتحدة في ادني درجاتها.

لو كنت شخصيا احد مستشاري الرئيس جورج بوش لقدمت له مجموعة من النصائح يمكن ايجازها في النقاط التالية:

اولا: الاعتراف بخطأ غزو العراق واحتلاله بناء علي معلومات كاذبة ومغلوطة حول اسلحة الدمار الشامل والعلاقة الوهمية بين نظام الرئيس العراقي صدام حسين وتنظيم القاعدة، وتحديد جدول زمني لسحب جميع القوات الامريكية من العراق واعطاء دور كامل للامم المتحدة لمرحلة ما بعد الانسحاب لترتيب انتخابات حرة بمشاركة الجميع.

ثانيا: وقف كل انواع الدعم والمساندة التي جري تقديمها لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون علي مدي السنوات الاربع الماضية، وسحب جميع التعهدات والضمانات التي من بينها تشريع بقاء بعض المستوطنات في الارض المحتلة، واعتبار مجازره ضد الابرياء في الاراضي المحتلة نوعا من الدفاع عن النفس، والعودة للحوار مع القيادة الفلسطينية باعتبارها قيادة فلسطينية منتخبة. وتبني مبادرة لتسوية القضية الفلسطينية علي اساس قيام دولة ديمقراطية لقوميتين متعددتي الثقافات والاديان والاعراق علي غرار الولايات المتحدة نفسها، علي جميع ارض فلسطين التاريخية.

ثالثا: المضي قدما في نشر مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات والقضاء العادل المستقل، ووقف التعامل مع كل الانظمة الديكتاتورية القمعية الفاسدة القائمة حاليا في معظم العواصم العربية، وخاصة في الدول الحليفة لواشنطن، وربط المساعدات المالية الامريكية بالديمقراطية وحقوق الانسان، وليس بمدي رضوخ هذه الانظمة للمخططات الامريكية في دعم اسرائيل، والعملية السلمية المزورة التي تتبناها هذه المخططات.

رابعا: الاعتراف بان الطريق الاقصر لمحاربة الارهاب هو معالجة جذوره، من خلال التعرف علي الاسباب التي ادت الي توسع دائرته، وتزايد التأييد له، وانخراط اعداد كبيرة من الشبان في صفوفه، واهم خطوة في هذا الطريق هي وقف عمليات الاذلال التي يتعرض لها المسلمون علي يد ألة الحرب الامريكية في العراق وافغانستان، والاسرائيلية في فلسطين، والاستماع الي ابناء المنطقة انفسهم، وليس الي الخبراء الاسرائيليين في الادارة الامريكية.

يقيننا ان الرئيس بوش لن يستمع الي اي رأي مخالف لرأيه والعصابة الحاقدة المحيطة به، فالرجل يري العالم من منظور اسرائيل، ويعتبر كل العرب والمسلمين اشرارا، وينطلق من حقد ديني متأصل في اعماقه تجاه كل من يخالف عقيدته، وهنا مكمن الخطورة.

الرئيس بوش انفق 250 مليار دولار علي حروبه في العراق وافغانستان، وقتل حتي الان مئة الف مواطن عراقي نصفهم من الاطفال والنساء، وما زال يخطط لانفاق المزيد وقتل المزيد، فالضوء الاخضر لارتكاب مجزرة كبري في الفلوجة بات وشيكا، تخيلوا لو انفق هذا المبلغ لخلق وظائف للفقراء، ومشاريع زراعية وصناعية لتحسين ظروفهم المعيشية، وعلاج امراضهم؟ أليس هذا كفيلا بجعل العالم افضل واكثر امانا؟

العالم بأسره بات مهددا في امنه واستقراره وسلامه بفوز الرئيس بوش بولاية ثانية، ولذلك لا يجب ان يقف حكماؤه مكتوفي الايدي ازاء هذا الخطر الداهم الذي يمكن ان يحرق الاخضر واليابس، ويودي بحياة الملايين من الابرياء، ويفجر صراع الحضارات.

المطلوب عقد اجتماع عاجل، وعلي مستوي القمة، لكل القادة البارزين في العالم، القلقين من خطر السياسات الامريكية الدموية المتهورة، لبحث كيفية التصدي لهذه السياسات وتقليص اضرارها في حدودها الدنيا. والرئيس الفرنسي جاك شيراك وحليفه الالماني غيرهارد شرودر هما ابرز المرشحين لهذه المهمة الانسانية، لما يتمتعان به من حكمة وحصافة، والا فنحن علي ابواب فوضي عالمية، ونقل النموذج الدموي العراقي الي اكثر من منطقة في العالم. - القدس العربي -