بات المتابع لنشرات الاخبار في محطات التلفزة العربية غير قادر علي التمييز بين الصور، فمجازر غزة تتطابق في تفاصيلها مع نظيراتها في الفلوجة وسامراء. الطائرات العمودية نفسها، الاطفال الشهداء أنفسهم، المستشفيات المزدحمة بالجرحي نفسها، والشيء نفسه يقال عن الوجوه السمراء الغاضبة والمتألمة المقهورة لما يحدث.

القوات الامريكية تعلن انها قتلت اكثر من مئة وخمسين ارهابيا في حملتها العسكرية الحالية علي سامراء. بينما تضيف الصواريخ الاسرائيلية التي قصفت جباليا وبيت حانون وغزة طوال يوم امس اسماء عشرة شهداء جدد بحيث يرتفع العدد الي سبعين، منذ بدء الاجتياح الدموي قبل خمسة ايام.

الولايات المتحدة الامريكية وحليفتها بريطانيا هددتا بالتدخل عسكريا في دارفور لوقف حرب الابادة التي تشنها ميليشيات الجنجويد ضد الابرياء، ولكن الجنجويد لا يركبون طائرات الاباتشي ولا دبابات ابرامز، مثلما تفعل القوات الاسرائيلية والامريكية في حرب الابادة التي تشناها حاليا ضد الشعبين الفلسطيني والعراقي وانما خيول وحمير وبغال. ويتسلحون ببنادق صدئة قديمة.

الامم المتحدة التي تدخلت بسرعة قياسية لاصدار قرار عن مجلس امنها ضد الحكومة السودانية، لا تتحرك مطلقا ازاء مجازر غزة والفلوجة وسامراء ومدينة الصدر، فطالما انت لست صديقا لامريكا فانت مدان، وتمارس التطهير العرقي وحرب الابادة، اما اذا كنت الحليف الحميم، فلا حرج عليك اذا قتلت وشردت ودمرت، وحرقت الاخضر واليابس!

حتي لا يساء فهمنا، نؤكد اننا كنا منذ البداية، من المتعاطفين، بل والمتضامنين مع ضحايا دارفور، واعتبرنا الحكومة السودانية مسؤولة عن عدم حماية ارواح الآلاف من ابناء هذه المنطقة المنكوبة، الذين تعرضت قراهم ومنازلهم للحرق بطرق بشعة. وقلنا ان الصورة لا تكذب، والنظـــــام السوداني لم يتعامل بطريقة انسانية مع مواطنية في هذا الاقليم، ولم ننضم مطلقا الي حملات التبرير المتدثرة بعباءة العروبة، او الحرص علي عدم تفكيك السودان وطمس هويته العربية.

سامراء هذه لم تكن ابدا موالية للنظام العراقي، بل عانت كثيرا من ظلمه واهاناته، وآخرها الحاقها بمدينة تكريت، ولكنها مدينة عربية مسلمة ترفض الانحناء للاحتلال وعملائه، ويصر اهلها علي دخول تاريخ المدن الخالدة من بوابة المقاومة، والدفاع عن تراب الوطن بالدماء والارواح.

الامريكيون احتفلوا بدخول سامراء، مثلما احتفلوا بسقوط بغداد قبل عام ونصف العام، ونقلوا هجماتهم الدموية الي الفلوجة، ولكن احتفالاتهم هذه لن تطول، وتواجدهم في قلب المدينة سيظل مؤقتا، وان طال لفترة من الوقت، سيكون باهظ التكاليف.

الشهر الماضي فقط اعترفت القوات الامريكية بتعرضها لاكثر من ثلاثة آلاف واربعمئة هجمة، اي بمعدل مئة هجمة في اليوم، فهل هذا هو الانتصار الذي يتحدثون عنه في العراق، وهل هذا هو الانجاز الذي يتباهي به الدكتور اياد علاوي، ويستحق بشأنه التصفيق وقوفا اكثر من خمس مرات في الكونغرس الامريكي!؟

من هو اياد علاوي حتي يستحق كل هذه الحفاوة، وكل هذا التصفيق، هل هو شارل ديغول، ام نابليون بونابرت، ام جورج واشنطن، ام نيلسون مانديلا او حتي توني بلير.. وهل هذا هو البرلمان الذي يمــثل السلطة التشريعية في القوة الاعظم في العالم يصفق بطريقة مبــتذلة لموظف صغير؟! نسأل بمرارة وحسرة وغضب.المجزرة الاسرائيلية الاحدث في غزة لن تمنع صواريخ المقاومة من الوصول الي المستوطنات الاسرائيلية داخل الخط الاخضر وخارجه، لانها صواريخ الفقراء المؤمنين في مواجهة الاستكبار الاسرائيلي والمتغطرس. وشارون واهم جدا اذا اعتقد ان الحاق خسائر بشرية كبيرة في صفوف الفلسطينيين سيكسر شوكتهم، ويدفعهم الي وقف اطلاق مثل هذه الصواريخ.

وسيكون ساذجا اذا اعتقد ان اقامة منطقة عازلة شمال مدينة بيت حانون، سيوفر الحماية لمستوطنة سدروت ويمنع وصول الصواريخ الي اسدود ويافا وحيفا، فالحزام الامني في جنوب لبنان لم يحم مستوطنات الجليل، والغارات المكثفة علي قري جنوب لبنان لم تمنع عمليات المقاومة البطولية لحزب الله. فصواريخ القسام هذه ليست صناعة امريكية ولا روسية، وانما هي نتاج عبقرية الحرمات، في معامل حدادة وخراطة وسباكة بدائية في معداتها، متقدمة في طموحات سواعد صنّاعها، ولهذا من استطاع ان يطيل مداها بحيث تصل الي سدروت وتصيب اهدافها، سيجعلها تصيب اهدافا ابعد، وتتجاوز كل الاسوار العنصرية والمناطق العازلة.

ما يؤلم اكثر من صور الشهداء والجرحي من الاطفال والشباب في سامراء والفلوجة وجباليا، هو هذا الصمت العربي والرسمي ازاء هذه المجازر، وكأن الذين يقتلون من فئران التجارب، وليس بشرا، بل انبل البشر واشرفهم.

الرئيس حسني مبارك لم يرسل اللواء عمر سليمان الي تل ابيب محتجا، مثلما ارسله لجمع قطع لحم الجنود الاسرائيليين الذين فجر رجال المقاومة دباباتهم في مدينة رفح وحي الزيتون، فالرئيس مبارك مشغول مثل كل الزعماء العرب في ادانة عمليات الخطف والذبح للرهائن الاجانب في العراق. وترتيب عقد مؤتمر يشرع لوجود قوات عربية واسلامية في العراق. مثلما هو مشغول بكيفية حماية اسرائيل بعد الانسحاب من غزة، وعدم تحويلها الي جنوب لبنان، اما حماية ابناء غزة التي هي جزء من الامن القومي المصري من اسرائيل وقواتها فمسألة اخري.

اما الاعلام العربي، او معظمه، منهمك في توجيه السهام الي الدكتور يوسف القرضاوي، لفتاواه التي تؤيد المقاومة، وتعتبر من يتعاون مع الاحتلال في حكم المحتل. ويتجاهل هذا الاعلام ومنظروه، ان هذا المحتل يقتل مئات الابرياء يوميا، ولا يعتبرونه ارهابا. فالمسلمون فقط هم الارهابيون، اما من يقتلون الاطفال من فوهة مدفعية طائرات الاباتشي والدبابات الحديثة، فهؤلاء ملائكة ورسل الحضارة.

شهداء غزة يتعانقون مع شهداء الفلوجة وسامراء ومدينة الصدر في السماء، وعلي صدورهم اوسمة المقاومة والشهادة، وهي الاعلي والارفع والاقيم من كل ما عداها. - القدس العربي -