في لُجة الحديث الإسرائيلي، عن خطة الانسحاب الأحادي من غزة، بدت الطبقة السياسية أبعد ما تكون، عن المشاركة في اتخاذ القرار. فلا حركة عمالية، ولا يسار، ولا علمانية فاعلة ولا ما يحزنون، إذ لم يعد يتلاقف الكرة، سوي الجنرالات الفاشيين من أقصي اليمين العنصري، والحاخامات!
قُبيل حرب 1967 كان الجنرالات قد اشترطوا السماح لهم باحتلال الضفة، لكي ينفذوا الأجندة الأمريكية، التي أرادت وقررت الحرب، لكسر مصر عبد الناصر، وحركة التحرر العربي. آنذاك، لوّح الجنرالات، ومن ورائهم الحاخامات، بالتمرد علي القيادة السياسية: إن لم نتلق التعليمات، بالتوجه شرقاً، لاستكمال السيطرة علي أرض إسرائيل فلن نمتثل لغير تعليمات التاريخ اليهودي دون غيره!
رضخ يومها القادة السياسيون، وفاز الحاخامات عن طريق الجنرالات، وشكّل ليفي إشكول، العمالي، ما يُسمي بـ حكومة وحدة وطنية وجاء بالإرهابي مناحيم بيغن، للمرة الأولي، الي موقع المسؤولية، كوزير للتربية، وأُبلغ الأمريكان بتنصل الطرف الإسرائيلي من تفاهمات برعايتهم، تقضي بعدم السماح لقوات عربية بدخول الأردن، مقابل عدم مهاجمة القوات الإسرائيلية للضفة. وعندئذٍ أحيط الطرف العربي المعني، علماً بالتطور وبالتنصل، لـ ينكفيء هذا الطرف، فجأة، الي اتجاه عبد الناصر، ويلتحق بالخندق القومي، حمّال الأوجه والرزايا. وافتتحت الرصاصة الأولي، العربية، في يوم الحرب، السيناريو المعلوم!
جنرالات العمل، عادوا بعد ثُلث القرن، ليفاوضوا ياسر عرفات، علي الانسحاب من أكثر من 90 % من أراضي الضفة. كان مجرد الحديث في الموضوع، يُنذر ـ علي مستوي حرب 67 ـ بهزيمة تاريخية للجنرالات، الذين اجتمعوا في نيسان 67 في منزل أهارون ياريف، وقرروا بان تكون الضفة، هي مكافأة الجيش علي الانخراط في المشروع الأمريكي الإقليمي. وجاء شارون، ضمن سيناريو استدراكي صهيوني، محاولاً منع هذه التي يرونها هزيمة، بقوة الجريمة التي تعاند التاريخ. ووفق لعبة بعثرة الأوراق، بهدف جني مكاسب أكبر من الهروب نفسه، أصبح شارون، اليوم، في مواجهة حاخامات المستوطنين، ومعلمي الشريعة اليهودية، في المدارس الدينية، الذين آنسوا في أنفسهم الحق في أن يردوا لشارون بضاعته، وأن يزاودوا عليه في موضوع الإخلاء، دون أي استعداد لتفهم كل أسبابه للهرب، من حرب بلا أفق، ومن صراع بلا نهاية، ومن أرض مسكونة بأهلها، في الضفة وغزة!
أما الحاخامات أنفسهم، فقد كشفت اللعبة، عن هشاشة ما يقولون. فعوفيديا يوسف الذي أفتي لمناحيم بيغن، بجواز التنازل عن جزء من أرض إسرائيل مقابل وقف سفك الدماء لا يُفتي اليوم، لشارون، بإخلاء غزة غير المجدية. لكن حجته في ذلك ليست توراتية، وإنما هي غياب الشريك الفلسطيني الذي ينبغي انتظاره . معني ذلك أن فتواه تستند الي تقديرات سياسية وأمنية، وتنزع الي النصب، وليس الي مبدأ الهي، حسب قول أسرة تحرير هآرتس مؤخراً!
فمثلما فقد الساسة الإسرائيليون، القدرة علي إلزام الجنرالات، فإن هؤلاء ـ الأخيرين ـ لم يعودوا قادرين علي إلزام الحاخامات، الذين هم أصحاب مشروع التوسع في 67 مع محاولة التمسك بالأرض، وإدامة الصراع! - القدس العربي -