تعاني شعوب العالم من "الارهاب" والحرب ضد الارهاب على حد سواء. فالحرب على الارهاب بعد 11/9 فاقمت الارهاب وزادته وحشية واشتعالاً. والارهاب فتح بدوره الأبواب أمام القوة المتغطرسة لاستباحة الشعوب والدول ونهبها واخضاعها وحرمانها من أبسط حقوقها. إنها حلقة مفرغة مشتعلة بالانتقام المتبادل في حرب مفتوحة بلا نهاية. هذا هو الجديد الذي بشّرنا به الرئيس الأميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني في الذكرى الثالثة للهجوم المشؤوم. قالوا لنا إن حربهم مستمرة الى ما لا نهاية، وبالتالي فإن الارهاب مستمر، وكأنهم لا يريدون للارهاب أن يتوقف وينحسر وتسدل الستارة على فصوله الدموية السوداء، فهل هم بحاجة للارهاب؟

يبدو أن الولايات المتحدة بحاجة الى عدو لتسويق استراتيجية الهيمنة على العالم وتحقيق الأطماع الامبراطورية. فبعد أن زال الخطر الشيوعي الذي وظف واستثمر في تعزيز نفوذ الهيمنة الأميركية طوال الحرب الباردة. صنعت الولايات المتحدة خطراً جديداً ممثلاً بالارهاب والدول المارقة واسلحة الدمار الشامل. ولهذا الخطر المضخم والمبالغ به وظيفة تزيد أهمية عن أهمية الخطر السابق. فوظيفة هذا الخطر اخضاع العالم للدولة العظمى الواحدة ومصالحها، وعدم السماح بعودة النظام العالمي متعدد الأقطاب ومتوازن المصالح. ولأن الأهداف كبيرة فقد ألبسوا الخطر رداء أيديولوجيا. وصارت الحرب من وجهة نظر هنتنغتون حرباً بين الحضارة والبربرية. وبهذا المعنى فإن الصراع لا حلول سياسية له ولا ينتهي إلا بالحسم العسكري، علماً انه لا توجد قوة منظورة للارهاب. إذاً، الارهاب مستمر، ولا توجد رغبة أو مصلحة لدى الامبراطورية المهيمنة في وضع حد له أو معالجته بشكل جدي. وأكبر دليل على ذلك هروب الولايات المتحدة من الاجابة على السؤال الجوهري الذي طرحته تفجيرات 11/9 الدموية بقوة. فبعد ثلاثة أعوام من الزلزال لم تنبس الإدارة الأميركية بكلمة واحدة عن السبب الحقيقي الذي دفع المنتحرين لتفجير برجي التجارة والبنتاغون. ثمة علاقة قوية بين اخفاء أهداف الحرب الحقيقية على الارهاب، وبين اخفاء الأسباب الحقيقية لخروج الارهاب كظاهرة مدوية. والاخفاء فعل أميركي بامتياز، والحقيقة هي الضحية الأولى لهذا النوع من الحروب. فعليك أن تصدق أن احتلال العراق هو تحرير وان العراق سيد وديمقراطي وحر، وانه كان يملك أسلحة دمار شامل، وعلى علاقة مع تنظيم القاعدة. وكل من يشكك في هذه الادعاءات التي دحضها الواقع يضع نفسه في خندق ابن لادن أو كما يقول رون ريفان "ما زال المسؤولون في اليمين يصفون كل من لا ينحني لدعايتهم بالحاقد، وعلى الأرجح مفجر سيارات اسلاموي يعمل في الخفاء". بعد ثلاثة أعوام على التفجيرات ممنوع قول لماذا هاجموا؟ ولماذا يكرهوننا؟ ويبدو أن هذا المنع سيمتد لعقود مقبلة كما يقول مختصون بالشأن الأميركي. والمنع يقتصر على معرفة دور السياسة الأميركية في بروز ظاهرة الارهاب التي وضعت الولايات المتحدة هدفاً ذا أولوية لهجماتها. أما الأسباب التي لها علاقة بدور الدول العربية في نمو الارهاب فقد أسهبت الدعاية الأميركية في شرحها ووضع الحلول لها كتغيير مناهج التدريس لتكون متسامحة مع الآخر، ووضع حد للتحريض الديني ضد الآخر، وإعلان حرب لا هوادة فيها على الارهاب حتى لو كان ذلك عبر وأد الديمقراطية الوليدة، واشاعة الديمقراطية التي سيتم وأدها بالحرب على الارهاب. ويستشف من أجندة التغيير المطلوبة أن الدفاع عن المصالح الأميركية هو بيت القصيد، ولما جاء الارهاب ليهدد تلك المصالح، فإن الحرب على الارهاب هي أولوية لا يضاهيها شيء. ووفقاً لأجندة محاربة الارهاب المطروحة بقوة أو المفروضة على الدول العربية والاسلامية، فإن الدفاع عن المصالح الأميركية في هذه البلدان أهم بكثير من الدفاع عن مصالح الشعوب الوطنية. وانسجاماً مع هذا المفهوم فقد حققت الولايات المتحدة مصالحها وأهدافها في افغانستان والعراق وليذهب الشعبان الى الجحيم، ليمت الألوف، وليتضور الأطفال جوعاً ولتتحطم الدولة بمختلف مؤسساتها ولتسد شريعة الغاب. المهم هو الحفاظ على المصالح الأميركية وبعد ذلك ليأت الطوفان وهو ما يحدث فعلاً.