ألغى رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، منذ انتخابه لمنصبه الحالي في شباط (فبراير) 2001، لغة التفاوض السياسي مع القيادة الفلسطينية واتّبع تجاه الشعب الفلسطيني وقيادته سياسات التغييب والاستئصال والخطط الاحادية الجانب، اي تلك التي لا ترى سوى آفاق التوسع على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه في وطنه التاريخي. وتمكن شارون من اقناع ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش بوقف التعامل مع الرئيس ياسر عرفات والقبول بالحصار الاسرائيلي له في مقره في رام الله منذ ما يزيد على سنتين على رغم انه الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني. واخذ شارون وبوش كلاهما يتحدثان عن ضرورة بروز قيادة فلسطينية «بديلة» متظاهرين بأن تبديل القيادة يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني ويعزز امكانات تحقيق السلام.

لكن واقع الممارسات الاسرائيلية والتواطؤ الاميركي معها ينبئان بما هو عكس ذلك. وقد بتنا نسمع كل اسبوع تقريباً تهديدات اسرائيلية باغتيال الرئيس عرفات أو «ازالته» على حد تعبير وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز قبل ايام من دون ان تتدخل الادارة الاميركية على نحو يقطع دابر تلك التهديدات الاجرامية. وكرر شارون نفسه تلك التهديدات في مقابلتين صحافيتين نشرتا الثلثاء الماضي بقوله ان «اسرائيل ستتعامل معه (عرفات) تماماً كما تعاملت مع (زعيم حركة «حماس»الشيخ احمد) ياسين و(خليفته الدكتور عبد العزيز) الرنتيسي».

وتحاول السلطة الوطنية الفلسطينية مواجهة مسألة تبديل القيادة ديموقراطياً بالطريقة السليمة المقبولة محلياً ودولياً، اي اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وبلدية، وقد شرعت فعلاً في تحديث سجل الناخبين وافتتحت اكثر من ألف مركز لتسجيل الناخبين في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة رغم الوجود العسكري الاسرائيلي الاحتلالي الكثيف. لكن سرعان ما تدخلت حكومة شارون في الامر واغلقت المراكز الانتخابية في منطقة القدس لعرقلة العملية الانتخابية. وقد عقب الرئيس عرفات على هذه العرقلة الاسرائيلية بالقول: «سنعمل ما في وسعنا لاجراء هذه الانتخابات ونطلب من المجموعة الدولية واللجنة الرباعية والعالم ان يفوا بالتزاماتهم ويساعدونا في اجراء الانتخابات وارسال مراقبين دوليين»، مشيراً الى ان اسرائيل منعت الفلسطينيين من اجراء انتخابات قبل عامين «عندما وضعت عراقيل مشابهة».

وقد جعل شارون سياسة اغتيال القادة السياسيين والنشطاء ميدانياً في مقاومة الاحتلال ركناً من اركان خطته لتجنب اي تفاوض او وقف للنار مع الفلسطينيين، وقرن ذلك بالموافقة على زيادة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية واعلانه ان الانسحاب من قطاع غزة قد يكون الاخير قبل مدة طويلة، وانه لا يتبع خطة «خريطة الطريق» الدولية للسلام. والملفت هنا هو أن البيت الابيض أصرّ الاربعاء على ان شارون ما زال ملتزما بخطة خريطة الطريق رغم تصريحاته المناقضة لذلك.

ان اقدام حكومة شارون على بناء جدار الفصل العنصري، واتباعها سياسة الاغتيالات ضد الفلسطينيين ورفضها التفاوض مع قيادتهم وسعيها الى عرقلة انتخاباتهم تشكل اتجاهاً الغائياً استئصالياً يستثني اي حوار سياسي وبالتالي أي حل سلمي مقبول يعنبر الشعب الفلسطيني نداً متكافئاً. والأرجح هو أن هذه السياسات الشارونية ستظل مستمرة في ظل التواطؤ الاميركي معها. - الحياة اللندنية -