يؤكد مسؤولون اميركيون ان الرئيس جورج بوش بات يتملكه «هوس» نشر الحرية في الشرق الاوسط، وبأن النقاش في البيت الابيض تجاوز مرحلة الجدل حول الفلسفة التي تقف وراء جعل الاصلاح السياسي محور سياسته الخارجية تجاه المنطقة، ليتركز على آليات تنفيذ تلك السياسات. ويرى المسؤولون ان التعيينات الاخيرة التي اجراها الرئيس - جون بولتون سفيراً لدى الامم المتحدة، وكارين هيوز مسؤولة عن الديبلوماسية العامة في الخارجية، وبول ولفوفيتز رئيساً للبنك الدولي - تستهدف احداث تغيير في طريقة التعامل مع حكومات دول المنطقة.

إلا أن التزام تنفيذ «رؤية الرئيس»، المثالية في طابعها، يصطدم بتحفظات عدة داخل الادارة في ما يخص التداعيات المحتملة لتنفيذ سياسات قد تؤدي الى حال من عدم الاستقرار في منطقة حيوية بالنسبة لمصالح اميركا الاقليمية. فالى جانب مخاوف من صعود قوى اسلامية معادية للسياسات الاميركية، نتيجة لإحتمال تقويض الانظمة البراغماتية في المنطقة، يتركز الجدل على ما إذا كان في مصلحة اميركا زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط في شكل قد يؤدي الى ارتفاع حاد في اسعار النفط، وتكريس ازمة تنعكس سلباً على الاقتصاد الاميركي الذي تتهدده أصلاً ازمة عنوانها العجز المزدوج في الموازنة العامة والميزان التجاري.

كما ان التداعيات الامنية لإحداث تغييرات جوهرية في تركيبة العلاقات الاميركية مع دول المنطقة، وما تعنيه على صعيد الشراكة في الحرب على الارهاب، تأخذ جانباً مهماً من النقاش الدائر.

إلا أن المخاوف والتحفظات، التي تشترك فيها عناصر مؤثرة في الخارجية وكذلك وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية، لا تبدو قادرة على وقف اندفاع البيت الابيض وصاحبه نحو مواجهة في الشرق الاوسط قد لا تكون اجهزة الادارة المختلفة مستعدة بعد لخوضها. ويعتبر مسؤولون اميركيون ان تطورات الوضع في لبنان، سياسياً وأمنياً، واستحقاقاته المقبلة المرتبطة بتنفيذ مرحلي لقرار مجلس الامن الرقم 1559، تمثل الامتحان الاول والاهم لإلتزام الادارة عقيدة نشر الديموقراطية في المنطقة ضمن الفهم الجديد للمصالح الاميركية في المنطقة. تلي ذلك التحضيرات للإنتخابات الرئاسية المصرية والتعديلات المنتظرة على الدستور المصري، لجهة دفع اجندة الاصلاح السياسي في شكل يعطي زخماً للمشروع الاميركي الطموح في المنطقة.

ويتصف الموقف الاميركي من التطورات الاخيرة بالتفاؤل الحذر نظراً الى ان المسيرة يمكن ان تتعرض لإنتكاسات عدة في حال قررت القوى المناوئة للإصلاح ان تذهب الى مواجهة شاملة مع اميركا في محاولة لإحباط اي تغييرات جذرية يمكن ان تطيح بها.

وفيما تبقى الخيارات الاميركية قائمة في اطار شبه الاجماع الدولي في ما يخص الملف اللبناني - السوري، من غير المضمون أن يبقى الاجماع هذا قائماً في حال حصلت المواجهة وأدت الى تصعيد قد يأخذ ابعاداً عسكرية وامنية.

ولا يمكن، في هذا السياق، استبعاد عودة واشنطن الى خيار الاجراءات احادية الجانب، في حال انهيار الشراكة مع اوروبا. إذ لم يعد بإمكان الادارة الاميركية، في ضوء رهانها المعلن على تحقيق أهدافها الاقليمية، أن تتراجع عن مشروعها. فالمسألة تبقى، في نهاية المطاف، مسألة دولة عظمى لن تقبل هزيمة قد تفتح الباب على هزائم متلاحقة. - الحياة اللندنية 7 نيسان 2005) -