رغم سلبيات زمن العولمة، فإن من إيجابياته الاحتفاظ بكل كلمة يدلي بها المرء لوسائل الإعلام، وكأن على اللسان رقيب عتيد، يخزن في ذاكرة أجهزة الحاسوب المعلومات والحقائق التي طالما اعتمد المسئولين على نسيان الشعب لها.

لمدة عشرة أيام لاحقت التصريحات المتناقضة لوزير الاقتصاد والتجارة الفلسطيني المهندس مازن سنقرط حول موضوع دفيئات المستوطنين على بحر غزة، التي حاولت جهات ما التحايل وإبقائها، ومن ثم التصرف بالأربعة ألاف دونم التي أقيمت عليها، إن هذا الأمر لا يزال جرحاً ينزف صديد الأطماع، ويعكس الاستخفاف بعقول الشعب، وحقول سيادته.

فقد نقلت المجموعة الفلسطينية للإعلام عن وزير الاقتصاد والتجارة المهندس مازن سنقرط، أنه كشف يوم السبت 6/8/2005: أن الجانب الإسرائيلي والمستوطنين سيقومون بهدم الدفيئات الزراعية المتواجدة في المستعمرات التي سينسحبون منها في قطاع غزة بدءا من يوم الأحد القادم وقال: "المستوطنون يصرون على حصولهم على تعويضات، في حين أن القانون الإسرائيلي لا يسمح لهم بأكثر من نسبة 65بالمئة من التعويض، ويبحث الإسرائيليون عن طرف ثالث لاستكمال نسبة تعويض المستوطنين، فيما الطرف الثالث بحاجة إلى أخذ موافقة الجانب الفلسطيني الذي يرفض بشكل قطعي إعطاء المستوطنين تعويضاً عن احتلالهم لأرضنا، وأوضح الوزير سنقرط: أن الأمور بدأت تتجه عند المستوطنين والحكومة الإسرائيلية إلى هدم الدفيئات الزراعية، وبين أن المستوطنين قاموا بممارسة التحايل بشأن الدفيئات الزراعية، حيث استبدلوا المعدات الحديثة بمعدات بالية وتالفة.

أما مركز الإعلام والمعلومات فقد نقلت عن مصادر فلسطينية مطلعة أن وزير الاقتصاد الفلسطيني مازن سنقرط: نفى ما كان قد أعلنه نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيرس عن التوصل إلى اتفاق بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، لبيع الدفيئات الزراعية في مستوطنات قطاع غزة، التي سيتم إخلاؤها إلى السلطة، وفي نفس السياق قال سنقرط: أن السلطة الوطنية الفلسطينية لن تدفع أية تعويضات للمستوطنين المنوي إخلائهم من قطاع غزة. ونفى أن يكون هناك اتفاق لشراء الدفيئات الزراعية بمبلغ 14 مليون دولار، تدفع من أموال الدول المانحة كما كان قد أعلن بيرس، كما نوه الوزير إلى أن السلطة لن توافق على تحويل جزء من المنح الدولية المقدمة للشعب الفلسطيني لتعويض المستوطنين.

أما موقع قدس برس، فقد جاء فيه أن وزير الاقتصاد الفلسطيني مازن سنقرط قد نفى صحة الأنباء التي أوردتها وسائل الإعلام العبرية فيما يتعلق بموافقة البنك الدولي على تقديم تعويضات لمستوطني قطاع غزة مقابل الإبقاء على الدفيئات الزراعية المقامة هناك.

ما سبق من نفي على لسان وزير الاقتصاد والتجارة ليس إلا إثبات لصحة ما ذهبنا إليه في مقالنا المعنون (رسالة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، احم الأربعة ألاف دونم من تحايل (usaid) وأصدقائها) إن نفي الوزير المتأخر لا يلغي الحقيقة السابقة التي تؤكد أن وزير الاقتصاد الفلسطيني سعى جاهداً مع آخرين للإبقاء على الدفيئات اليهودية، ولما عجز عن ذلك لأسباب عديدة، أخذ ينفي، ولكي لا يبقى الحديث مساجلة بين النفي والتأكيد دون شواهد، سأستعرض ما قاله الوزير، وما مارسه وغيره من تأييد إقامة شركات تهدف إلى الاستثمار في دفيئات اليهود، بل وتوجيه خطابات خطية للمستثمرين بين يدي أحدها.

فقد نقلت عدة مصادر صحفية في نهاية شهر يوليو/2005، ومن ضمنها صحيفة الوطن أن مجلس الوزراء الفلسطيني قد اتخذ قرارا في جلسته الأخيرة اعتبار الدفيئات الزراعية في المستعمرات التي سيتم إخلاؤها في قطاع غزة منطقة زراعية مؤهلة، وإحالة موضوع إدارتها إلى صندوق الاستثمار الفلسطيني، الذي سينشئ بدوره شركة خاصة لهذه الغاية، وقد وصف سنقرط هذا القرار بأنه حكيم، ومسئول، ويعكس حرص الحكومة على الدفيئات التي تشغل أكثر من 3 آلاف عامل، والاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة فيها، وأوضح سنقرط: أن إدارة هذه الدفيئات ستحال في المرحلة الأولى إلى جهة دولية، من المرجح ان تكون شركة (كارانا) الأمريكية إلى حين اتضاح طبيعة الممتلكات الموجودة في المستعمرات، وانتهاء صندوق الاستثمار من تأسيس الشركة الخاصة لهذه الغاية، وتدير شركة (كارانا) مشروعا أطلقته الوكالة الأمريكية للإنماء الدولي (usaid) قبل حوالي شهرين بقيمة 80 مليون دولار، موجهه لدعم قطاع الزراعة في الأراضي الفلسطينية، خصص منه 50 مليون دولار لترتيب ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وقال سنقرط: أن هذه الشركة (كارانا) سجلت في وزارة الاقتصاد الفلسطينية حسب القانون الفلسطيني، وبالتالي فان مرجعيتها فلسطينية، وغايات البرنامج يجب أن تكون فلسطينية، وبحسب المعلومات المتوفرة من أطراف دولية؛ فإن المستعمرات الإسرائيلية التي سيتم إخلاؤها من قطاع غزة تضم 4 آلاف دفيئة زراعية، مقامة على مساحة 4 آلاف دونم، وفندقاً، وجامعة، ومزرعة اسماك، وحاضنة تكنولوجيا، ومصنع ألبان، إضافة إلى 220 منزلا قررت إسرائيل هدمها.

أما المجموعة الفلسطينية فقد نقلت عن الوزير سنقرط في 31/7/2005، قوله: من ناحية أخرى فإن الحكومة الفلسطينية لن تقدم تعويضات مباشرة ولا غير مباشرة إلى المستوطنين اليهود عن الدفيئات، ولكنه أضاف: أن الحكومة الفلسطينية أبلغت الأمريكيين: أنها ستقبل الدفيئات من طرف ثالث، وأشار سنقرط إلى أن هذه البيوت الزراعية ستساعد الفلسطينيين اقتصاديا وستوفر لهم الوصول إلى تكنولوجيا الدفيئات الزراعية الجديدة عالية التقنية، وقال سنقرط: إذا بقيت هذه الدفيئات سليمة على حالها فإننا سنستفيد منها.

سأكتفي بعرض الأقوال المتناقضة لوزير الاقتصاد والتجارة الفلسطيني، وأترك للقارئ العربي الفلسطيني الحكم على مدى التباعد في أقوال الوزير في فترة زمنية لا تتعدي عشرة أيام، وتأثير ذلك على مستقبل الأرض المحررة وسيادة الإنسان العربي الفلسطيني عليها. - (مفتاح 10 آب 2005) -