حدد الرئيس الفلسطيني شهر يناير 2006 موعداً للانتخابات، وفي ذلك يكون قد اقتحم جبال النار، وبحر الأهوال، وخالف توصيات ذوي المكاسب الذين يرفضون فكرة الانتخابات، ويضغطون للتأجيل إلى ما لا نهاية، ولهم في ذلك آية بعض البلديات، ولكن الرئيس الفلسطيني أبا مازن فعلها، وألقى بمصالح المنتفعين على سكين الشعب، فلماذا تتحفظون يا أهل حماس، وأنتم خير من يعلم بأنكم لستم وحدكم الذي يضغط للوصول إلى صناديق الاقتراع، غيركم يضغط أضعاف ضغطتكم لئلا يقترب من الصندوق، لأسباب كثيرة، يعرفها شعبنا، وتعلمونها جيداً، ولمزيد من التفاصيل، اسمحوا لي أن أسأل السؤال البريء التالي:
هل سيفتح المجلس التشريعي القادم في يناير 2006 الدفاتر القديمة؟
إن صح ذلك، وكان في مخطط الفائزين الجدد للمجلس التشريعي القادم تشكيل حكومة قوية، قادرة على وضع النقاط على الحروف، ومحاسبة الفساد بأثر رجعي، وفتح الملفات المهملة، وتقليب الأوراق التي تم طيها خلال عشر سنوات من العمل التنفيذي والتشريعي للبعض دون حسيب، ولا رقيب، ودون شفافية، ولا سؤال أو استفسار، فإن من حق ذاك البعض النافذ أن يقاتل بيديه، وأسنانه، وبكل ما أوتي من بأس، وبطش ولؤم، وتآمر، وأن يقدم ما جمع من أموال، وما التف من حوله من أنفس ورجال، وأن يقدم كل إمكانياته رخيصة في سبيل البقاء في موقع القرار، والجهاد لعدم السقوط بكل السبل قبل الفرار، لأن عدم البقاء في موقع القرار لا يعني له الغياب عن الساحة السياسية فقط، والانزواء جريحاً، وتقييم الأخطاء للتحضير لمرحلة قادمة، على العكس من ذلك، إن سقوط البعض يعني وقوفه بعد ذلك عارياً أمام القضاء الذي سيسن منشار العدالة التي ستأكل بسهولة خشب أكاذيبه الجاف.
إن صح هذا التفكيرـ وأظنه صحيحاً يا حماس، ـ فإن أمام شعبنا معركة انتخابية للمجلس التشريعي تكاد تكون مستحيلة، وإن جرت فهي معركة حامية الوطيس، معركة لا تبقي ولا تذر، وتصل إلى حد كسر العظم، وتمزيق اللحم، ونشر خيش البعض على حبال غسيل الوطن العربي، وستكون ساحتنا الفلسطينية مربط حصن كل مخابرات العالم، وسيتم تطوير وابتكار وسائل وطرق حديثة في تمرير الكذب السياسي، والتلفيق الاجتماعي، والإغراء المالي، والخداع الانتخابي، وستكون المزاحمة على صناديق الاقتراع كيوم الحشر العظيم الذي يسبق يوم الحساب المبين، ويسوق إلى تسلم الكتاب إما بالشمال وإما باليمين.
وسيكون بين شعبنا أذكياء، وسيكون في شعبنا أغبياء!!!
أما الأذكياء فهم أولئك المحظوظون الذين أكلوا بملعقة الذهب عسل المرحلة السابقة، وتنعموا في عزها، وتمرغوا في خيرها، وشربوا خمرها، ومسحوا جلدهم بزيتها، وكتبوا سيرتهم بدم غيرهم من الشرفاء، وينشطون اليوم لتوظيف الفقراء والجياع في صناعة ملاعق ذهب جديدة لهم، تتسع لمزيد من مصالحهم، وتضمن لهم البقاء على السرج بقوة الديمقراطية، وفي مواقعهم المأثورة، المتأثرة بالسياسة الخارجية، وغير المؤثرة في بناء الوطن.
أما الأغبياء، وأعوذ بالله منهم، فهم أولئك الذين حملوا أكياس الملح على ظهورهم كل المرحلة السابقة، ومشوا في الصحراء ظمأى، يلهثون حتى اليوم وراء كوب ماء ممتلئ بالسراب السياسي، في يدهم كرت جوال، وفي الأخرى شوال طحين، ووعد بالترقية أو الوظيفة، وحلم بالتضحية بالنفس من أجل الوطن.
ملاحظة: ما زالت الفرصة متاحة أمام بعض التنظيمات الفلسطينية للتطهر من أوحال الطريق، وتخفيف أحمالها، وخلع نعالها، وعدم اقتحام المرحلة دون النخبة، والصفوة من رجالها، فإن حمي وطيس الحرب الانتخابية فلن تَزِرَ وازِرةٌ وِزْرَ أخرى. - (مفتاح 12 آب 2005) -