بدأ الجيش الاسرائيلي، رسميا، بابلاغ المستوطنين في غزة وبعض مستوطنات شمال الضفة الغربية ضرورة مغادرتهم المستوطنات في غضون اربع وعشرين ساعة، والاّ فسيكون مضطراً لاجلائهم بالقوة، هنالك ثمة سيناريوهات مطروحة لما سيحدث، كما تتداولها الصحافة الاسرائيلية، ابرزها: ان معظم المستوطنين سيغادرون طواعية وسيكون انتقالهم الى المواقع المحددة البديلة سلساً ويسيراً، في وقت ستحاول فيه الاقلية الاحتجاج والتمنع، وسيأتي التمنع عبر وسائل متعددة، اقلها التظاهر والتمترس في المنازل، وعدم الانتقال الاّ بقوة الجيش، في وقت تتوقع اوساط اخرى، محاولة بعضهم استخدام السلاح، ما سيؤدي الى اشتباكات محدودة وقصيرة، كما لا تسقط اوساط اخرى، اقدام بعض المتدينين المتشددين على الانتحار، اعتراضاً على عملية الاجلاء.
وأياً تكن احتمالات الاجلاء، فانه سيتم في غضون الزمن المحدد له، ليرسم ملامح صورة جديدة، أكان على صعيد الاستيطان ومستقبله، او على مستقبل غزة خاصة، والمناطق الفلسطينية عامة. ما ستحاول الحكومة الاسرائيلية تصويره على الصعيدين الاقليمي والدولي، بان مسؤوليتها عن القطاع قد انتهت بعدما تواصلت منذ السادس من حزيران 1967، وحتى الخامس عشر من العام 2005، وبالتالي التنصل من اية مسؤوليات مالية او امنية - سياسية او حتى اخلاقية عما آب جرى وما سيجري مستقبلاً.
هل الخطورة العظمى التي تكمن في هذا الايحاء الكاذب، هو استمرار الاحتلال الاسرائيلي باشكال اخرى، ابرزها: التحكم في المطار والميناء، وفي الاجواء والمياه، وكذلك في المعابر كافة، اضافة الى ذلك، فان انهاء العلاقة بغزة، يقتضي فتح الدفاتر كافة، وتقديم الكشوف اللازمة، وبالتالي اجراء حسابات الوارد والصادر على حد سواء.
في هذا السياق، هنالك احتلال للقطاع، دام زهاء 83 عاماً، جرى خلالها استغلال بشري واقتصادي بشعاً، اضافة لمصادرة اراضٍ، اضافة لعمليات قتل وذبح وتشريد وتدمير وتجريف اراضٍ، وافساد للمزروعات وقتل للحيوانات، وكل ذلك يحتاج الى تحديد من جهة، وتعويض مساوٍ من جهة اخرى، ودون ذلك ستكون هناك جرائم دون مجرم!!! وسيكون الدم الفلسطيني رخيصاً لدرجة، عدم المطالبة باية اثمان.
ما سيجري هو انحسار للاحتلال والمحتلين، وهذا ما يحتاج الى تحديد هوية المحتل وحصر جرائمه الفظيعة في غضون ثمانية وثلاثين عاماً من الاحتلال.
ان المطالبة بالتعويضات المادية، والمعنوية، من شأنها ان تعزز زوال الاحتلال من جهة، والاسهام في عملية الانماء والاعمار في القطاع، بعد انهاكه واحتلاله واستغلاله، ابشع استغلال لسنوات طويلة؛ اما القبول بما سيفرضه الاسرائيليون دون مناقشة لحيثيات الفرض الاسرائيلي، فستعني نوعاً من الاستسلام غير المبرر والمشروع، لما سيجري مستقبلاً، خاصة في المفاوضات الخاصة بالميناء والمطار والمعابر، وغيرها من قضايا لا تزال معلقة. لعله من نافلة القول، ان المطالبة بالتعويضات اللازمة من الاحتلال، شأن تقره القوانين الدولية كافة، وبالامكان حشد التأييد له، كما وانه شأن من شؤون الحكومة الفلسطينية العتيدة، كما وانه شأن من شؤون السكان المحليين الذين تضرروا بارواحهم وممتلكاتهم وحرياتهم، وبالتالي فان الاحزاب والقوى، ومنظمات وهيئات العمل الشعبي، مطالبة بتحديد الخسائر ومسوغات التعويض.
يأتي هذا الحديث، اليوم تحديداً، لان الفرح سيقترن بآلام الماضي الاحتلالي البغيض، الشهداء جميعاً سيكونون بجانبنا ونحن نحتفل، وستدمع العيون دمعتين، دمعة الفرح بانحسار الاحتلال، ودمعة حارة اخرى، هي دمعة الحزن والفراق والعذاب من جراء احتلال دام طويلاً.
لا أدري آليات المطالبة القانونية والادارية بالتعويضات اللازمة، لكنه ليس صعباً تحديدها، والتحرك رسمياً وشعبياً لسلوكها، والبدء بالمطالبة بها، ولئن طال الزمن!!!
جريدة الأيام(15/8/2005).