جيش الدفاع الفلسطيني - PDF على نمط جيش الدفاع الاسرائيلي- IDF ، او إن شئتم الجيش البرتقالي على نمط الجيش الأحمر في روسيا بعد الثورة، هي المهمة الملحة، على ذات نمط المهمات الملحة للأنظمة والنظريات الثورية القديمة.
لا أمزح، بل أتحدث بكل الجدية. لماذا "الدفاع" وليس التحرير، لا ريب أنه من السهل التخمين. فإسرائيل مثلا تسمي جيشها الهجومي دوما ذا الاستراتيجية الهجومية دوما جيش دفاع. فيما نحن إعتدنا على أن نسمي جيوشنا الدفاعية دوما جيوش تحرير وهجوم والخ.. أما في غزة فإننا نريد حقا جيش دفاع يردع إسرائيل عن كل هجوم ولا ينوي أي شر لجارته الشمالية.
ولماذا الجيش البرتقالي؟ ربما لان المستوطنين الذين مُنيوا بهزيمة في غزة كان شعارهم اللون البرتقالي، فنلوح لهم بأن البرتقالي يمكن أن يكون رمزا لشيء آخر معاكس تماما للاستيطان، فنضرب بذلك عصفورين بحجر واحد: نشكل جيشا ونسميه برتقاليا بلون البرتقال الغزي الحلو، فنرمز للسلام والدفاع وفي نفس الوقت نقول لا للاستيطان البرتقالي المعادي. ونستعير بإستعارة مكنية تلوين الجيش على نمط الجيش الاحمر فنأخذ منه نزعة اللون دون أن نحمل نزعة الزعم. وما سنستعيره من الجيش الأحمر التاريخي إياه هو أن من شكَّله كان مناكفا لزعيم الثورة على الدوام. تروتسكي الشهير، الذي عارض وبقي معارضا هو وجماعته للشيوعية الرسمية ربما حتى يومنا هذا. فنأتي بشخصية "معارضة" مثل تروتسكي في فلسطين، لنقل محمود الزهار إذا كنا نريد أن نبالغ أو فاروق القدومي إذا كنا نريد أن نتواضع ونبقي المهمة في ساحة فتح.
كنت أحبذ مبادرة مغايرة للنزعة العسكرية، ونزعة القوة، التي في فكرة اقامة الجيش، مبادرة تقوم على أساس إننا في غزة لا نحتاج الى أي سلاح أو لأي جيش. فتكون رسالتنا للعالم ولاسرائيل واحدة موحدة. هاتوا أموال ومشاريع ومصانع لنوفر لها ما لدينا من طاقة بشرية هائلة، جيش شعبي حقيقي يعمل بجد ليطعم الأفواه المتزايدة باضطراد كل يوم.
ولكن لا بد من مراعاة الموضة السائدة. فنحن نسمع كل يوم عن جيش جديد وقوة جديدة وميليشيا جديدة في قطاع غزة، كلها تضاف الى ما فيه والحمد لله من جيوش لا تعد ولا تحصى. قوات كذا وجيش كذا وجهاز كذا وجماعة هذا وعصبة ذاك. وهكذا بدل أن ندعي الثورية المبالغ فيها، أو إن شئتم السلمية المغرقة في سلميتها التي في المبادرة المقترحة السابقة، فاننا نتواضع فندعو الى توحيد كل هذه الجيوش والقوات في جيش واحد بقيادة واحدة وبإمرة واحدة وحبذنا أن تكون تحت قيادة معارضة أو شبه معارضة، من حماس أو من فتح الأصولية التي لم تصب بعدوى اوسلو او شرور وليدتها السلطة.
ولكن مع ذلك يبقى السؤال لماذا نبدأ بجيش بدل أن نبدأ بالبناء الذي يفترض منطقيا من الانسحاب الإسرائيلي وما يجره من مهمات لإعادة الإعمار وفتح بوابات الازدهار؟ نبدأ به لأن إسرائيل تريد لغزة أن تكون أولا وأخيرا، ولاننا نريد أن تكون غزة أولا وليس أخيرا. وقد يُفهم من هنا أنني اريد الجيش في غزة كي يواصل تحرير الأرض في الضفة وغيرها، وتعرفون ماذا أقصد، كما يشاع عن الجيوش التي تستعد في غزة كي لا تكون غزة أخيرا. أريد الجيش وأشدد على أن يكون موحدا لانني إذ أريد لغزة الا تكون أخيرا، فاني في ظل ما أعيش فيه من واقع سياسي يفترض خريطة الطريق سبيلا لتحقيق ذلك، أفترض أن اسرائيل والعالم أيضا سيطالبني بأن أقوم بواجباتي التي تمليها عليّ خريطة الطريق فأصفي "بنية الارهاب التحتية" كشرط للمواصلة في خريطة الطريق وصولا الى الدولة العتيدة.
وهذا الجيش الذي أقترحه لن يكون "الإرهاب" الذي تتحدث عنه خريطة الطريق بل جيش الدفاع الفلسطيني الذي يقف على حدود القطاع ليحميه من كل عدوان إسرائيلي أفترض أنه شبه محتم، ويقيم ميزان ردع يمنع إسرائيل من كل عدوان مهما كانت الحجة. لنقل عملية وقعت في الضفة أو إنطلقت من الضفة وادعتها حماس أو غيرها من تنظيم الضفة، فتأتي إسرائيل على عادتها فتتهم حماس الأم فتضرب غزة، وهذه المرة بقوة شديدة إذ أن العالم سيعترف لها بأنها غير مسؤولة أخلاقيا أو قانونيا عن غزة وأنها تدافع عن نفسها ضد "الإرهاب".
كما أن الفرضية الأساس وراء الجيش، الذي سيكون دفاعيا، وبالاساس موحدا، هي ليس فقط أن يحمي البلاد، وأقصد هنا القطاع، بل لان وجود قوات وجيوش متعددة، برؤوس متعددة، من المحتم أن تصطدم وأن تشتبك، ولن يدري أحد بمن في ذلك أفضل المؤرخين لماذا، ومرة اخرى على النمط الفلسطيني الثابت، إذا كنتم لا تزالون تذكرون الحروب القديمة بين النشاشيبي والحسيني. كل العالم ينظر الينا في غزة ماذا سنفعل بحريتنا الجديدة. صحيح أن هذه حرية مجزوءة ويمكن الإدعاء كما نميل حاليا بأن غزة لا تزال تحت الإحتلال كون البحر والسماء والمعابر خاضعة لاسرائيل. ولكن الصحيح أيضا هو أن ننظر الى الجزء المليء من الكأس وليس الفارغ منه. لدينا الآن أرض شاملة من رفح حتى بيت حانون بلا حواجز ولا جيش احتلال ولا مستوطنين ويمكننا أن نفعل بحريتنا ما لا يمكن لأحد أن يتصوره. لا يريدون منا أن نبني المطار، أو الميناء. ولكن ارادتهم لن تكون أبدا هنا هي المقرر. فلنبدأ فورا في بناء المطار والميناء. وليأتوا هم بطائراتهم ليقصفوا ما بنيناه. فهل يجرؤون؟ وبعد أن نعيد ترميم البناء أو نبني، لندعو رؤساء الدول، دولة مصر، فرنسا، ومن يدري ربما أمريكا ايضا، أن يصلوا الينا ليشاركونا في احتفال تدشين المطار، فهل سيرسلون طائراتهم الحربية ليسقطوا طائرات هؤلاء الرؤساء؟!.
لدينا مهمات، كثيرة، معظمها إن لم تكن كلها سلمية. ولكننا نبدأ بالجيش كي نجمع السلاح ونضعه في يد واحدة لا تمتد على أحد منا وتبقى قبضة مرفوعة تحمي ظهرنا وتردع عدونا. فنتفرغ لما علينا من مهمات هائلة عظيمة تحتاج الى إرادة جبارة كي تتحقق. وإذا ما تحقق الإزدهار في غزة. وهو أمر شبه حلم، عسير المنال، قد لا يصدقه أحد، فإن شرعيتنا في أن نتواصل من "دولة" غزة الى الضفة ستتضاعف عشرات القوى، وتمهد السبيل لتحققها الفعلي. - (مفتاح 26 آب 2005) -