عندما تحدث الوزير شعث عن أن لجنة حكماء "فتح" قد أجرت ثلاثة استطلاعات سرية لتقييم نتائج الانتخابات التمهيدية، وأن جميعها قد أكد اقتراب نتائج هذه الاستطلاعات من تلك التي أفرزتها الانتخابات، تولدت لدينا قناعة بأن هذه اللجنة ستحترم النتائج التي توصلت إليها، وعندما تسربت أسماء مرشحي "فتح" لدوائر الضفة، شعرت شخصيا بالراحة، لأن الفائزين في انتخابات دوائرهم، خصوصا بعد الاتهامات العديدة بالتزوير، عليهم أن يثبتوا قدرتهم على النجاح في انتخابات سيراقبها العالم، وعليهم أن يقبلوا تحدي منافسة المرشحين الآخرين في تلك الدوائر، خصوصا أن تنظيما بحجم "حماس" قد فضل أن يرشح قادته الحقيقيين في الدوائر، مبقيا القليل للقائمة على مستوى الوطن. وعندما صرح محمد دحلان بأنه لا يريد موقعا مضمونا في القائمة، بل سينافس في خان يونس، مسقط رأسه، كانت الأمور تسير في اتجاه يقترب مما يجب أن تقوم به "فتح". وتوقعنا أيضا أن تسلم لجنة حكماء فتح بحقيقة ساطعة وهي أن فتح أقوى بمروان البرغوثي على رأس قائمتها، وأن هذه البدهية لا تحتاج لأن يتم النظر إليها بشكوك بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية، وبعد جميع استطلاعات الرأي العام التي تم نشرها.

لكن ما اعتقدنا أنه بديهة لا تقبل الشك، أصبحت موضع حوار وجدل، وبعد أن كان مروان الأول في القائمة بحكم الضرورة الوطنية، ولأنه عامل قوة لتنظيم فتح، أصبح ترتيبه في القائمة الثاني، وربما الثالث، أو الرابع .. وأصبح الرافضون لمبدأ خوض الانتخابات التمهيدية بحكم مواقعهم في فتح، يصارعون ليس فقط على الفوز بمقعد مضمون في قائمة فتح، حتى لو كان متأخرا، بل أصبحوا يريدون المواقع الأولى فيها، مستغلين الثغرات الكبيرة في الانتخابات التمهيدية ـ والتي بلا شك تتحملها اللجنة المشرفة عليها ـ للتشكيك بأية استنتاجات تبنى عليها، ولزج أسمائهم في المقاعد الأولى.

ولم يعد الصراع والجدل حول من يترأس القائمة، وإنما حول جميع الأسماء التي بها، وأصبحت هناك أغلبية تبحث عن مقاعد مضمونة لها في القائمة، حتى لو كانت فرصها بالنجاح ممكنة بمضاعفة الجهد واكتساب ثقة الجمهور في دائرتها. وبالتالي أصبح هنالك ازدحام في "طلاب" القائمة لا يمكن التعامل معه بالحوار، ووصلت الأمور إلى ما شاهدناه من اعتداءات على مقار لجنة الانتخابات المركزية، أقل ما يقال عنها إنها مُخزية.

المشاكل التي كان يجب التعامل معها منذ البداية من قبل جميع الأقطاب في حركة فتح والتي رفض الجميع البحث فيها مبكراً تكمن في عدة محاور.. أولها الاتفاق على معايير لرئاسة القائمة أهمها أن يكون بإمكان من يترأسها أن يحشد جمهور فتح خلفه لتعزيز فرص الحركة في ضمان مقاعد أعلى مما هو متوقع لها في الانتخابات التشريعية، بحيث يكون قادرا على حمل غيره للبرلمان من الشخصيات التي لا يمكنها النجاح بقوة التنظيم فقط وانما بقوة القناعة بالشخص، وبالتالي فإن رأس القائمة يجب أن يكون مثالا للشعب الفلسطيني في عمله وتضحياته، وبالتأكيد عليه أن يكون بعيداً عن أية شبهات بالفساد أو بحماية فاسدين.. وثاني هذه المعاير أن من يخسر في الانتخابات التمهيدية وفي استطلاعات الرأي عليه أن يتحمل نتائج ذلك وأن يعود جندياً في حركة فتح دون اشتراطات من أي نوع، بما في ذلك عدم إعادة أي من نواب المجلس التشريعي الخاسرين في الانتخابات التمهيدية لمواقع مضمونة في القائمة.. وثالثا كان على قيادة حركة فتح وكوادرها أن يتفقوا على آلية لتوزيع مقاعد فتح المضمونة في القائمة، حيث إن هذه المقاعد لا تتعدى الثلاثين مقعدا، منها بحكم القانون سبعة مقاعد مخصصة للنساء، وخمسة مقاعد قد يرغب الرئيس في ملئها لحسابات سياسية أبعد من تنظيم فتح، وما تبقى من المقاعد، وعددها ثمانية عشر، يجب توزيعها بناءً على حسابات أخرى، منها أسباب جغرافية لضمان تمثيل فتح وحضورها في دوائر من المتوقع أن تخسر فيها، ومنها اعتبارات تنظيمية، وهي حاجة فتح لشخصيات قادرة على مواجهة معارضة منظمة، ذكية، ستصل إلى البرلمان.

لكن أياً من ذلك لم يجرِ عمله ووصلت الحركة بخلافاتها إلى المستوى الذي وصلت إليه من صراع يهدد وحدتها، وقدرتها على قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، والدفع مجددا بمقترح تأجيل الانتخابات لأن بقاء الوضع على ما هو عليه أفضل للجميع مما هو قادم.. لكن على كوادر فتح أن يدركوا بأن الوضع الحالي ليس مقبولا جماهيريا، وأن هنالك حركة إلى الأمام يجب أن تنطلق لأن الالتزامات الفلسطينية ليست التزامات فتحاوية فقط، وإنما التزامات وطنية ودولية أيضا.

ليست لدي معلومات عما إذا كانت فتح ستتغلب على مشاكلها حتى منتصف هذه الليلة، ولا توجد لدي معلومات عما إذا كان الرئيس سيقوم بتمديد مدة الترشح للانتخابات يوما أو يومين بعد إقفال لجنة الانتخابات مكاتبها أول من أمس، وحتى اليوم الماضي، لكنني متأكد من حقيقة أن الازدحام الذي شاهدناه للانضمام لقائمة فتح الوطنية قد يغرقها، والتهرب من الترشح لانتخابات الدوائر من قبل شخصيات فتح المعروفة في دوائرها يعني تسليم هذه الدوائر لغيرها من القوى المنافسة، وتمسك القيادة التاريخية بتاريخها على حساب مصلحة حركة فتح يعكس أنانية مطلقة من قبل هذه القيادة، التي قادت العمل الوطني الفلسطيني من فشل إلى فشل، وجميعها مؤشرات لأزمة عميقة قد تعصف بالدور التاريخي لحركة فتح في قيادة الـمشروع الوطني لسنوات عديدة قادمة. - (الأيام 15 كانون اول 2005) -