يوم الاثنين الماضي وضع الاتحاد الاوروبي على الرف تقريراً عن الاعمال والجهود الاسرائيلية المحمومة لتهويد القدس الشرقية وضمها الى اسرائيل وقطعها عن بقية الضفة الغربية. ولم يكن ذلك التقرير من اعداد السلطة الفلسطينية او الجامعة العربية او معهد ابحاث عربي وانما شارك في اعداده وصوغه قناصل عدد من الدول الاوروبية في القدس في مقدمهم ديبلوماسيون في القنصلية البريطانية.

ومن المحتمل اننا ما كنا لنسمع او نقرأ شيئاً عن ذلك التقرير لو لم يسرب الى صحيفة «ذي غارديان» البريطانية التي نشرته الشهر الماضي ما ادى الى غضب اسرائيل على الاتحاد الاوروبي لأن التقرير يكشف خطورة ما تفعله على مستقبل السلام والاستقرار في المنطقة ويعيق بالتأكيد فض الصراع العربي - الاسرائيلي. ومع ان اسرائيل ليست بريئة من هذه التهمة، الا انها ربما خشيت من ان يؤدي ذلك الى فرض عقوبات اوروبية عليها. ولكن النفوذ اليهودي-الاسرائيلي في اوساط بعض الحكومات الاوروبية يبدو اقوى من ان يمكن تجاهله من جانب تلك الحكومات خصوصاً في بريطانيا وايطاليا.

وربما وجد الاتحاد الاوروبي مواقف الدول العربية والاسلامية من قضية القدس مواقف مائعة لا صلة فيها بين القول والفعل رغم قوة المساومة الهائلة التي تملكها تلك الدول. لقد استنتج تقرير القناصل الاوروبيين ان اسرائيل تستخدم جدارها الفاصل كأداة لمصادرة الاراضي العربية حول القدس. وهو يقول ان «هذا الضم بحكم الامر الواقع للارض الفلسطينية لن يمكن عكسه من دون عمليات اجلاء واسعة النطاق للمستوطنين بالقوة وتعديل مسار (الجدار) الحاجز. وعندما يكتمل الحاجز، ستتحكم اسرائيل في كل المداخل الى القدس الشرقية وتقطعها عن مدينتي رام الله وبيت لحم التابعتين لها وعن بقية الضفة الغربية».

ان الحديث عن القدس الشرقية هو حديث عن مدينة احتلت في حرب 1967 وبالتالي فان ما ينطبق على الضفة الغربية ككل من قرارات مجلس الأمن ينطبق على القدس الشرقية. واي كلام اسرائيلي يعتبر القدس الموحدة عاصمة لاسرائيل باطل قانوناً وفي نظر المجتمع الدولي والامم المتحدة. ومن هنا فان قضية القدس ينبغي ان لا تخضع لأمزجة الدول الاوروبية ومدى خوفها من النفوذ الصهيوني.

ولكن كيف سوغ الاتحاد الاوروبي وضع هذا التقرير على الرف مع انه جزء من الرباعية الدولية الى جانب الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة، ومع كون الرباعية راعية خطة خريطة الطريق التي تتضمن حلاً للصراع على اساس دولتين، فلسطين مستقلة قابلة للحياة الى جانب اسرائيل في أمن وسلام؟

لقد اقنع خافيير سولانا المسؤول الاعلى عن السياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي وزراء خارجية الدول الاعضاء في الاتحاد بعدم نشر التقرير رسمياً من ان هذا سيقوض نفوذ اوروبا لدى اسرائيل. ولكن هل لاوروبا نفوذ لدى اسرائيل فعلاً، ومتى استخدم بنجاح؟ ان النفوذ الوحيد في العلاقة بين الجانبين هو النفوذ اللصهيوني القوي. ولم يتردد جاك سترو وزير خارجية بريطانيا التي تتولى رئاسة الاتحاد حتى نهاية العام. وكان بين من ايدوا سولانا وسترو المانيا لاسباب معروفة وان لم تكن مقبولة تتعلق بماضيها النازي وارتكابها جرائم ابادة ضد اليهود، وايطاليا التي انقلبت ساستها تجاه الصراع العربي - الاسرائيلي رأساً على عقب في عهد رئيس وزرائها سيلفيو برلسكوني.

اما سياسة بريطانيا تجاه هذا الصراع فقد صارت في عهد رئيس الوزراء توني بلير منحازة بوضوح الى جانب اسرائيل والاتجار معها. ولم يقدم بلير نفسه لقضية السلام في الشرق الاوسط سوى كلام معسول في سياق التغطية على تبعيته للرئيس الاميركي جورج بوش في غزو العراق واحتلاله. وقد بز بلير، في رأي بعض المراقبين البريطانيين، رئيس الوزراء العمالي في الستينات هارولد ويلسون في تأييده لاسرائيل. ومن سوء الحظ ان يأتي تقرير القناصل هذا في عهد الرئاسة البريطانية للاتحاد الاوروبي. - (الحياة اللندنية 16 كانون اول 2005) -