مع التحركات غير العادية على الساحة السياسية “الإسرائيلية” ارتفعت وتيرة التوقعات حول عملية السلام بين “اسرائيل” والفلسطينيين. ومع شبه الحسم الواضح في موضوع الانتخابات “الاسرائيلية” المقبلة، تجاوز الاهتمام موضوع التجاذب بين الأحزاب حول حسابات المقاعد البرلمانية الى التركيز على الهدف الأهم وهو العملية السلمية بالذات.
واللافت ان شارون نفسه قد حسم مع شركائه الجدد في حزب “كاديما” خيار الدولتين وأخذ يتحدث عن موقفه التفاوضي حول قضايا الحل النهائي. فعندما سئل في (2/12/2005) عن وضع القدس خلال مقابلة مع صحيفة مغربية، قال: “بالنسبة إليّ، القدس عاصمة “اسرائيل”، وأعتقد أن القدس الموحدة يجب ان تظل عاصمتنا، مع ضمان أداء الشعائر الدينية بالنسبة الى الأديان كافة”، وأضاف: “حرية زيارة الأماكن المقدسة واقع بالنسبة الى الأديان الثلاثة في نطاق السلام والأمن، ولم نعترض على ذلك، أو نضع عراقيل في هذا المجال”. وقال شارون: “أريد ان أكون واضحاً.. لن يكون هناك تمزيق أو تقطيع للمدينة، إنها موحدة وستبقى كذلك عاصمة ل”اسرائيل””. أما عن الأراضي المحتلة، فقد قال: “لا يمكننا الحديث عن العودة الى حدود ،1967 لكن ذلك ليس نهاية حتمية لعدم العودة، وعندما نصل الى مرحلة المفاوضات، فإننا سننفتح على كل الأفكار، ويمكن ان تكون هناك مبادلات في الحدود ترضي الجانبين، وأعتقد أنه بالإمكان الوصول الى اتفاق”. وانتهى شارون الى القول انه “سيحارب، لكن هذه المرة من أجل السلام”.
رغم الشهرة التي حصل عليها شارون باختراقه لقناة السويس عام ،1973 إلا أن طبيعته الفظة والدموية قد حالت دون وصوله الى الصف الأول في القيادة السياسية أو العسكرية. وكان الرأي المتداول في أوساط المراقبين السياسيين داخل “اسرائيل” وخارجها بأن شارون شخصية غير قابلة للنجاح في الانتخابات.
في بحثه عن دور له في العمل السياسي، لم يفلح شارون في الانضمام الى اي من الأحزاب “الاسرائيلية”، فنظم حزبه الخاص “شلومزيون” الذي حصل على مقعدين في انتخابات الكنيست عام 1977. وبعد انضمامه الى حيروت ضمن الليكود تولى شارون وزارة الزراعة في الوزارة التي شكلها مناحيم بيغن. وخلال توليه هذه الوزارة، قاد شارون حملة استيطان في الاراضي العربية المحتلة، ضاعفت عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة ثلاث مرات.
أدرك شارون (غول الاستيطان) الذي أصبح وزيراً للدفاع في حكومة بيغن الثانية (1981)، أن لا العاطفة الصهيونية ولا التعصب الديني عادا من البواعث القوية لتوسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لذلك لجأ الى بديل آخر، هو ترغيب “الاسرائيليين” في الضواحي، وأخذ يوسع حدود القدس وتل أبيب خارج الخط الأخضر (هدنة 1949) على حساب المناطق الفلسطينية المحتلة. وبمبادرة من شارون، قدمت الحكومة “الاسرائيلية” مساحات واسعة من الأرض في الضفة الغربية لمستثمرين “اسرائيليين” لإقامة مشاريع إسكان. وأصبح بوسع المستوطن “الاسرائيلي” الحصول على “فيلا” كبيرة بحديقة واسعة بسعر لا يتجاوز سعر شقة في حي مكتظ بالسكان في تل ابيب، فأنشئت مستعمرات، مثل “ارييل” و”نوفيم” و”معاليه ادميم”. وتولت الحكومة “الاسرائيلية” مد الطرق، وإنشاء شبكات الصرف، وتوفير مياه الشرب والطاقة الكهربائية، وإنشاء المدارس والمراكز المدنية في تلك المستعمرات، وأعفت المستثمرين والسكان من الضرائب.
كان هدف شارون من وراء تكثيف الاستيطان “الاسرائيلي” في المناطق الفلسطينية المحتلة هو خلق واقع سياسي يؤدي الى ضم هذه المناطق المستوطنة الى “اسرائيل”. فإن تمثيل هؤلاء المستوطنين في الكنيست بعشرة أعضاء أو أكثر، سيجعل عملية الموافقة في الكنيست على الانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتلة بالغة الصعوبة في وجه أية حكومة “اسرائيلية”. وإذا كان شارون، كما يزعم، يريد أن يحارب من أجل السلام، فليحارب نفسه أولاً، فكل عقبة وضعت في طريق الوصول الى السلام كانت من صنع يديه.
المهم أن شارون رتب الساحة السياسية في “إسرائيل” ليبقى هو اللاعب الوحيد عليها سواء تحقق الحل السياسي لقضية الفلسطينيين أم لم يتحقق. وان من يراقب الساحة السياسية الفلسطينية يعتصره الألم من الفوضى المعربدة عليها. والأمل الوحيد لتلافي مضاعفات هذه الفوضى هو تمسك جميع الأطراف بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وجعل عملية الأخذ والعطاء في أضيق الحدود. - (الخليج الاماراتية 16 كانون اول 2005 )-