للمرة الثالثة يعود بنيامين نتنياهو إلي رئاسة حزب الليكود لكنه هذه المرة يعتقد جازما أنه محمل برسالة مزدوجة تتمثل في حماية كل من الحزب من الاضمحلال والبلاد من التفريط إذا ما استقرت الأمور في يد حزب كاديما لأرييل في انتخابات آذار/مارس المقبل، فحتي قبل فوزه بزعامة الحزب الذي فقد الكثير من وزنه، قال نتنياهو محذرا من احتمال فوز منافسه سيلفان شالوم الذي أيد الانسحاب من غزة في سبتمبر/أيلول الماضي إنه سيقود إلي حزب ليكود كبير مقابل حزب ليكود صغير يشكل فرعا لحزب كاديما ولا يستطيع مقاومة تقسيم القدس أو إعادة الحدود الي مشارف كفار سابا والخضيرة متجاهلا بذلك ما تظهره استطلاعات الرأي من أن الليكود لن يحصل في الانتخابات التشريعية إلا علي 12 مقعدا في مقابل 38 في انتخابات عام 2003 بزعامة شارون مقابل حصول حزب كاديما علي ما بين 30 و40 مقعدا وحزب العمل علي زهاء العشرين مقعدا.
لم يبق أمام نتنياهو الذي استند في فوزه بزعامة الليكود علي دعم ما يسمي مجموعات عقائدية و مجلس المستوطنات في الضفة الغربية سوي الجنوح الدائم والمتصاعد نحو اليمين المتطرف العنصري مما يخالف حتي سياساته التي انتهجها هو شخصيا عندما كان رئيسا للوزراء ووقع مع الرئيس الراحل ياسر عرفات في تشرين الأول/اكتوبر 1998 مذكرة واي ريفر التي تحدد توزيع المناطق والصلاحيات الإدارية والأمنية الانتقالية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مما كلفه وقتها اتهامات بالخيانة للجمهور الذي انتخبه متوهما أنه لن يصافح عرفات أو يعقد معه أي اتفاقات. ومع ذلك فنتنياهو حتي وإن فاز برئاسة الوزراء مرة أخري، وهو احتمال مستبعد تماما حسب التقديرات الحالية، لن يكون قادرا علي التمرد علي التصور الذي يعمل علي إحلاله، أو فرضه، الرئيس الأمريكي جورج بوش في المنطقة والذي يحظي بدعم أو عدم ممانعة دوليين لا سيما من خلال اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط والمتكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة.
فوز نتنياهو بزعامة الليكود تظهر اليوم بوضوح أكثر أنه لم يعد في إسرائيل من تيار غالب سوي تلوينات متعددة من اليمين تبدأ اليوم، من مفارقات السياسة، من شارون وصولا إلي غلاة المستوطنين ودعاة الترحيل الجماعي القسري للعرب مقابل يسار يحاول شمعون بيريس جاهدا جمع ما تبقي منه من أشلاء في حزب العمل الذي شهد بدوره في السنوات الماضية ضياعا تدريجيا لهويته بانحداره المتواصل نحو اليمين. وإذا ما عرفنا أن المعطيات الحالية تستبعد كثيرا وصول زعامة العمل إلي دفة رئاسة الوزراء فإن شارون سيكون الكاسب الرئيسي من وراء فوز نتنياهو لأنه سيثبت من خلاله أنه لم ينشأ حزبا جديدا إلا مكرها لأن الليكود لم يعد ذلك الليكود القادر علي التعاطي بواقعية مع مشاريع التسوية المعروضة وأنه بات رهينة تصور متطرف وغير عملي لم يستوعب التطورات الدولية الأخيرة .
الشيء الوحيد الذي قد يعيد نتنياهو إلي الواجهة هو القدر فإذا ما تطورت الحالة الصحية لشارون بشكل يبعده عن التنافس الانتخابي فقد لا يجد جمهور الناخبين، وهو يري حزب كاديما يتهاوي مع صاحبه، اللهم إذا أنقذه شخص آخر بمعجزة، من بدائل مأمونة سوي نتنياهو بكل عيوبه لأنه يجسد الخوف الإسرائيلي التقليدي من مواجهة استحقاقات أية تسوية عادلة فيما البديل الذي يطرحه بيريس قد يتراءي لهم مجازفا وخطيرا، وهم علي كل ليسوا مهيئين له بعد أو ناضجين. - (القدس العربي 21 كانون اول 2005) -