كان مفيداً أن تنجح مساعي الرئيس محمود عباس، للاتفاق مع الفصائل. فما يطلبه الرجل، لا يخلخل الثوابت ولا المنطلقات، وإنما يدفع في اتجاه أعطاء حيّز، من اللغة ومن الموقف، للتعاطي مع معادلات قائمة، شئنا أم أبينا. هي المعادلات نفسها، التي تجعل الأشقاء السوريين ـ مثلاً ـ لا يتوقفون عن التأكيد علي الحقوق، وعلي الموقف حيال الاحتلال، وفي الوقت نفسه، لا يُطلقون النار. هي المعادلات والحسابات نفسها، التي جعلتهم يكتفون بالممانعة السياسية، ويتجنبون الحرب المفتوحة، التي يمكن أن يخسرها الطرف العربي، فتكون النتائج، أسوأ وأشد كارثية، مما هم فيه الآن!

مخطئ من يظن، أن بعثرة الموقف الفلسطيني، يمكن أن تفيد المقاومة. ومخطئ من يعتقد بأن ضعف السلطة، يفيد أحداً. وعلي الرغم من الإشارة الي المثال السوري، الذي لم يتعرض لهجاء أحد، لا من الإسلاميين، ولا من اليساريين، فإننا نؤكد علي حقنا ـ من حيث المبدأ ـ في مقاومة الإحتلال، ولا نقول بأن الوقف المتبادل لإطلاق النار، هو مشروعنا الممتد زمنياً، الي سنين لا حدود لها، لكي يفسره المفسرون الرديئون، بأنه التخلي عن السعي لنيل الحقوق. نقول ذلك دون أن نمانع في الافتراض، بأننا أقوي من كل الجيوش الشقيقة والصديقة، المدججة بالسلاح!

ہ ہ ہ

السلطة هي نواة الدولة الفلسطينية. وهذه، الأخيرة، ليست لفصيل أو لحزب. إنها للمجتمع. وفي نظرية الدولة، يُقال بان هذا الكيان، هو بمثابة شخص معنوي، تتوافق عليه الجماعة، لكي يكون حَكَماً نزيهاً بين الناس. وهناك فارق كبير، بين القول إننا لا نريد حَكَماً بين الناس، والقول بأن هذا الحَكَم، ينبغي أن يكون قوياً ونزيها، ثم السعي لتحقيق ذلك بامتياز!

أبو مازن، طرح مشروعه، من خلال برنامجه الانتخابي. وقمة شرم الشيخ، التي لا نختلف علي ضآلة نتائجها، وعلي أن اللغة الأمنية، هي التي طغت علي مداولاتها، تشكل التوطئة التي أتيحت، لكي ينفتح الأفق السياسي، وتبقي مسألة كيف نصل الي الأهداف، رهناً بكيفية توافقنا، وتناغمنا، وسلامة الأشرعة، في سفينتنا الفلسطينية. ومن يعبث بالسفينة، من السلطة أو من الفصائل، يتسبب في الخراب، وستكون النتيجة مأساوية!

مفعمون بالأمل، أن تكون الفصائل إيجابية مع الرئيس أبو مازن. والرجل، لا يقلل من شأن كل مُدركات الصراع وحيثياته. نحن لسنا في مباراة بلاغية، نحن في حرب مفتوحة، لن نمانع في وقفها، إن كان هناك حديث من الأعداء والأشقاء، عن إمكانية وقفها، ثم البحث في تدابير حل الصراع. من يفعل ذلك، ليس مهزوماً ولا منكسراً. ومن حق الفصائل، أن تسمع من أبو مازن، تصوراته ونواياه، عن الخطوات المأمولة، فضلاً عن حقها، في أن تسمع من جديد، تأكيداته علي الخطوط الحمر، والثوابت!

ہ ہ ہ

التحلي بالمسؤولية مطلوب من الجميع. ليس فقط علي مستوي الموقفين السياسي والقتالي، وإنما كذلك علي مستوي السلوك اليومي وفعالياته، وتحديداً حيال مسألة الحفاظ علي وحدانية المرجعية الفلسطينية. ففي أيام التطبيقات الأولي، لاتفاق أوسلو قيل الكثير عن الرئيس الشهيد ياسر عرفات. لكن كل ما قيل، وكل ما كُتب، علي أطنان من الورق، في هجاء الرجل آنذاك، لم يصطنع لأبي عمار روحاً غير روحه، ولا أمنيات غير أمنياته، ولا مضامين لمواقفه وطموحاته، غير المواقف والطموحات، التي جعلته، في اللحظة التاريخية الحرجة، هدفاً للمحتلين. لم تكن دروس الصمود الفلسطيني، قد أرسلت معانيها للمحتلين ولغيرهم، لكي يصبحوا جاهزين للتحدث عن وقف متبادل لإطلاق النار. كانوا ينتظرون أن نرفع الرايات البيضاء. وأبو مازن شارك في قمة شرم الشيخ، ممثلاً لشعب لم يرفع الرايات البيضاء، ولم يستسلم!

التأويلات التي تبتعد كثيراً لا تفيد. هناك أستاذ جامعي يكتب من لندن، فيقول إن قوات الأمن الفلسطينية، تحمي المحتلين. بل إن هذا المعني، كان عنواناً لخبر في جريدة السفير أمس. لكن الأستاذ و السفير يتناسون حقيقة أن كل الجيوش العربية من حولنا، يمكن أن ينطبق عليها مثل هذا التأويل، الذي ينطلق من فرضية مبسطة، تتعمد إسقاط كل الحيثيات. إن قوات الأمن الفلسطينية، لا تسعي لأن تحمي شيئاً، سوي مشروع الاستقلال والحرية، لفلسطين وشعبها، حتي وإن كان من بين مستلزماته، الانتشار علي التخوم، لمنع القصف من جبهة الجولان، أو من قاطع الناقورة، أو من قبالة ما يُسمي بـ غوش قطيف ! - القدس العربي -