في مدينة بيرن، وفي مؤتمر نسوي بعنوان :"منظور لسياسة السلام النسوية: تمكين، ونوع اجتماعي، ووضع حد للعنف"، تمت مناقشة نتائج دراسة ميدانية، أجرتها المنظمة السويسرية غير الحكومية لتمكين النساء (Cfd)، لمشاريعها المشتركة، مع منظماتها المحلية الشريكة، في العالم: في بوسنية، وكوسوفو، والمغرب، وفلسطين (الضفة وقطاع غزة وفلسطينيو 1948)، وسويسرا.
تلخص سؤال الدراسة الرئيس: كيف تستطيع مشاريع التمكين، أن تكشف عن التمييز ضد المرأه، وتقلله، وإلى أي مدى؟ وكيف لها أن توسع آفاقا جديدة أو تفتحها، لتمكين المرأة على المستوى الفردي والجماعي، للسيطرة على حياتها الاجتماعية والسياسية؟ بينت نتائج الدراسة، صحة تعريف المنظمة للتمكين، بأنه عملية معقدة وفاعلة، تؤدي بالنتيجة إلى تحسين قدرات المرأة الفردية والجماعية، وإلى زيادة فاعلية المرأة على الصعيد الاجتماعي والسياسي. كما بينت أن التمكين عملية تتحقق على مستويات متعددة: فردية (نساء ورجالاً)، وجماعية (مجموعات ومنظمات نسوية)، وبنيوية (سياسية وتشريعية). وبينما يركز التمكين الفردي، على تحرير المرأة، وعلى التغيرات الفردية في العلاقات الاجتماعية بين الطرفين، يركز التمكين الجماعي على تأثير عمل المرأة المنظم، على النظام الاجتماعي وعلاقات النوع الاجتماعي.
ولهدف الدراسة تم التركيز على: التمكين الفردي والجماعي للمرأة، بمفهومه المحلي، وفي مجالات أساسية ثلاثة: العنف، والأمان، والموارد. وقد تبين ترابط هذه المجالات بشكل وثيق، فالخلاص من العنف والوصول إلى الموارد، ثم السيطرة عليها؛ تؤدي إلى الإحساس بالأمان الشخصي والإنساني معاً.
ولوحظ أن كثيراً من المنظمات، في البلاد المختلفة، قيد الدراسة، تركز أحياناً على مستوى دون آخر، وبالأخص التمكين الفردي، وليس الجماعي أو البنيوي؛ ما يجعل هناك ضرورة للتشبيك ما بين المنظمات، بحيث يمكن الموازنة ما بين المستويات المتعددة، والتخطيط في مجال التنمية والتمويل، بدلاً من التنافس الفردي ما بينها. كما لوحظ أن العديد من المنظمات تلجأ إلى تنفيذ برامج التمكين، دون الاهتمام بتمكين طواقمها التنفيذية؛ ما يجعل هناك ضرورة للاهتمام بوضع الموظفات والموظفين، وتحقيق الأمان الوظيفي لهم، حتى يستطيعوا التأثير بالفئات المجتمعية المستهدفة. هذا الأمان الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بتفعيل الأنظمة الداخلية للمنظمات، وتطويرها بما يحقق عدالة لموظفيها، ثم تطبيقها.
وفي رام الله، في الندوة الدولية الثانية، بعنوان "تمكين المرأة: مفتاح التنمية"، التي نظمتها وزارة شؤون المرأة، بالشراكة مع التعاون الإيطالي ومنتدى تمكين؛ تجسّد مبدأ الشراكة ما بين الوزارة والممولين الإيطاليين، منذ عنوان الندوة، مروراً بنقاش موضوعاتها، وصولاً إلى خطة عمل مشتركة. كان من اللافت للنظر، عمق القضايا التي طرحت للمناقشة في الندوة. تحدثت الخبيرة المستشارة في النوع الاجتماعي لدى وزارة الخارجية الإيطالية، د. بيانكا بوميراتزي، عن ضرورة تضمين المرأة في السياسات، وناقشت مبدأ الشراكة/ديمقراطية الحكم. وتحدثت وزيرة المرأة زهيرة كمال، عن استراتيجية الوزارة، المتمثلة بالشراكة والتكاملية بالعمل. تحدثت عن الشراكة المباشرة والتشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني، والذي يتضمن بلورة وثيقة تفاهم مشتركة، ما بين المؤسسات والوزارة. وتحدثت الأكاديمية د. غابرييلا روزيتي، من دائرة الفلسفة في جامعة فيرارا/إيطاليا، عن مفهوم اللامركزية كأداة من اجل تمكين النساء. طرحت المحاضرة أسئلة أكثر مما طرحت إجابات. تحدثت عن المعاني المزدوجة للامركزية، حيث يمكن أن تكون أداة للمشاركة في الحكم، وللتمكين، ويمكن أن تشكل تغطية لإضعاف الدولة، ولخصخصة الخدمات الاجتماعية. وتساءلت: تحت أية شروط يمكن للامركزية ان تشكل أداة لتمكين النساء؟ وتساءلت أيضاً: كيف يمكن لنا، نحن (غير الفلسطينيات، أوروبيات،...الخ) أن نكون أكثر تأثيراً وفعالية، وليس فقط منفذات محترفات لبرامجنا المشتركة؟!
أما مديرة الشبكة الدولية للنوع الاجتماعي والنقابات، في معهد المرأة والنوع الاجتماعي/آسيا/ كلية مريم/الفليبين، جيجي فرانسيسكو؛ فلم تتساءل، بل أكدت على ضرورة الالتفات إلى القضايا الكبرى التي تؤثر سلباً على وضع النساء، وخاصة الفقيرات منهن: عولمة السوق والتجارة الحرة العالمية، وعزل قضايا النساء عن قضايا الوطن. وجهت نداء لمقاومة سياسات إفقار الشعوب، وللتضامن والمقاومة وتحقيق العدالة الإنسانية.
أجابت ندوة رام الله الدولية على سؤال التمكين، عبر إطلاق حوار مجتمعي ثري، حول مفاهيم عالمية، وعبر بلورة مفهوم فلسطيني لتمكين النساء، وعبر تطوير خطة عمل مشتركة لتثبيت مبدأ الشراكة مع التعاون الإيطالي. طرح المفهوم الفلسطيني للتمكين: مفهوم تحرري مقاوم وتنموي شامل في آن واحد. وطرحت ضرورة الربط ما بين قضايا المرأة وتحرير الوطن. كما طرحت قضية اللامركزية، والتوجه المرن لإدماج النوع الاجتماعي في المؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، ذلك التوجه الذي يمكن أن يعطي فرصاً، ليس لتمكين المرأة فحسب؛ بل للبناء الديمقراطي أيضاً. نوقش في الندوة، مشروع خطة عملية لتمكين النساء الفلسطينيات، عبر قراءة الموازنة الفلسطينية من منظور النوع الاجتماعي، باعتبار أن الموازنة الوطنية، هي أهم أداة حكومية لصياغة السياسات، وأداة حاسمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد بينت أن تزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة، بموضوع الموازنات، الحساسة للنوع الاجتماعي؛ جاء كوسيلة لضمان الشفافية والمساءلة والعدالة الاجتماعية، وكأحد مؤشرات الحكم الصالح. كما قدم اقتراح محدد، حول الخطوات اللازمة لإطلاق مبادرة: "موازنة فلسطينية حساسة للنوع الاجتماعي".
استفزت الندوة عقولنا، وفتحت النقاش على مصراعيه، لا لتعطينا إجابات جاهزة لتساؤلاتنا؛ بل لنفكر معها ومع مؤسسات المجتمع المدني، ومع أصدقائنا في العالم، حول أفضل الطرق للتفاعل والتشبيك والعمل المشترك، من أجل عالم أفضل.