بعد أن أثبتت فتح قدرتها علي التأثير، وعلي إظهار التوافق، بين منحاها السياسي والكفاحي، وطموحات الأغلبية الصامتة والتيار الشعبي العام؛ بقي الكثير، مما يمكن اعتباره وتأمله، في حدث الاستحقاق الانتخابي، ترشيحاً وتصويتاً. فبعد كل التقدير، لمبادرة مصطفي البرغوثي، علي مستويي الترشح والنتيجة، نسجل هنا، أولاً، أن الرجل ملأ فراغاً، في مساحة كان ينبغي أن تُخصص لفصائل المعارضة الوطنية، ضمن التشكيل التقليدي، لإطار منظمة التحرير الفلسطينية، وأن هذه الفصائل، التي بوغتت بموعد الاستحقاق الانتخابي، علي إثر رحيل الرئيس عرفات، قد وجدت نفسها فجأة، غير قادرة علي خوض الغمار الانتخابي، وغير قادرة علي صياغة مشروعها البديل، أو التوافق علي خطوط عامة، تكفي لأن تحتشد علي أساسها، وراء مرشح قوي. بل إن ارتباكها كان واضحاً، من خلال تأييدها السريع، في إطار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بتسمية محمود عباس رئيساً، ثم استنكافها عن مؤازرة رئيس المنظمة الذي شاركت في تسميته وتثبيت رئاسته، في المنافسة علي رئاسة السلطة. أما القوي الإسلامية، التي يمكن اختصار موقفها، من انتخابات الرئاسة الفلسطينية، في أن الانتخابات لم تكن تناسبها، لا من حيث أساسها النظري، ولا من حيث سقفها السياسي؛ فقد أخفقت في إضعاف هذا الحدث، وفي خفض منسوبه، وبالتالي كنا بصدد معارضة وطنية ضعيفة، وغير موحدة، مع معارضة إسلامية لم تسعفها المحاججات الأيديولوجية، في سعيها لإضعاف الحدث الانتخابي!

كل الأطراف، باتت في حاجة الي قراءة هذا الحدث، والاستفادة منه. ولعل فتح التي هي حزب الموالاة، هي الأجدر بالقراءة وبالعبرة، من أحزاب المعارضة، لكي لا تسقط في غواية النشوة بالفوز، ولكي تعرف حقيقة مفاعيل الوحدة الداخلية، والإقلاع عن التعارضات والمساجلات، ولكي تعرف أن كلمة السر، للوصول الي ثقة الناس، هي عناوين الإصلاح والتغيير. فالناس، لم يتوقفوا طويلاً أمام شعارات حملة أبي مازن، لكي يحاسبوننا علي الذي مضي، وكأن الإصلاح، ليس اجتثاثاً لفساد، فعله البعض المتنفذ من فتح وكأن القهر الوظيفي، الذي نبشر اليوم بإنهائه، لم يفعله متمحكون بـهذه الحركة الرائدة، صاحبة الإرث الكفاحي الكبير. فالناس تلقفت إعلان النوايا الفتحاوية، وتعاطت معه بإيجابية، وبتنا أمام الفرصة الأخيرة، لاستعادة صدقيتنا، وأي تلكؤ أو خطوات تجميلية، لن يقابلها الناس إلا بالسخرية وبالمرارة. فالكرة باتت في ملعب فتح ولن تقوم لها قائمة، إن لم تسد الدين، للناس الذين أعطوها ثقتهم، من خلال انتخاب مرشحها محمود عباس!

الفصيل والحزب، اللذان شاركا في المنافسة (الديمقراطية والشعب) سيكون لهما ـ بالطبع ـ قراءتهما للنتائج، لكي يتهيأ كل منهما، لوضعية لم يعد بالإمكان فيها، إعطاء الأطر النخبوية، مكافآت تمثيل في المنظمة وفي دائرة اتخاذ القرار السياسي، دون أن يكون لها الوزن الكافي، في الشارع. فما أسفرت عنه انتخابات الرئاسة، يصلح للاستهداء به، عند إطلاق عملية التفعيل والإصلاح، لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكي نتمكن من جعلها إطاراً تمثيلياً، يعكس واقع الخارطة الحزبية والفصائلية الفلسطينية، في الشارع الفلسطيني، وليس إطاراً لفصائل باتت أندية نخبوية غير منتشرة. فلا ينبغي أن يكون أمراً عابراً، أن يحظي مصطفي البرغوثي، بأضعاف ما حصل عليه فصيل رئيس من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأضعاف ما حصل عليه حزبه السابق. فقد كان لافتاً ومستغرباً، أن تقفز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن كل مضامين البيانات، حول قيادة مشتركة ومتلازمة، للجبهتين، الديموقراطية والشعبية، لتساند البرغوثي. ففي هذه الحالة، نكون بصدد وضعية مركبة، من التداعيات علي مستوي الفصيلين، الأمر الذي يجعل الدرس مريراً وقاسياً، علي صعيد المعارضة الوطنية (الفصائلية) برمتها!

بقي القول، إن الظروف ما تزال مواتية، لتلاقي كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، علي برنامج عمل وطني واحد، تأخذ فيه الحركة الإسلامية، العبرة من نجاح مشروع أبي مازن، في المناطق الأكثر فقراً وتعرضاً للتدمير، وللخسائر في الأرواح والممتلكات والمنازل. ففي مثل هذا التلاقي، يمكن أن نضمن بقاء واستمرار المقاومة، والنضال السياسي، والممانعة في الحل المشوّه، ولكن بخُطي مدروسة، وبرؤية جماعية، تحسب وتضبط خطاها، متناغمة ومتساندة، في اتجاه الاستقلال والحرية! - القدس العربي -