ذاك الذي تم حتى الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين من تفاهم غير معلن على تهدئة الأوضاع، وتهيئة الميدان لمرحلة سياسية جديدة، يمكن أن نسميه تهدئة على أمل، أو أن نسميه هدنه بين الشعب المقاوم والمحتلين الغزاة، ولكن لا يصح أن نسمي ذلك التفاهم وقفاً لإطلاق النار، وبالتالي ينجرف سياسيو شعب فلسطين، ووسائل إعلام عربية خلف تسميه له دلالة سياسية، وتشي بعدالة حرب بين جيشين، وهذا ما لا ينطبق على الحالة الفلسطينية الإسرائيلية، فما حصل من تدمير وقتل وسفك للدم البريء لا يشير إلى نزاهة، ولا إلى تكافؤ.

إن وقف إطلاق النار له دلالة الحرب بين جيشين متكافئين متناظرين، حرب قادر فيها كل جيش على محاربة الجيش الآخر، وعلى الصمود في وجه وحداته، وتشكيلاته، وحركاته، إن وقف إطلاق النار يؤشر إلى حرب قد توقفت، تصارعت فيها قوى تمتلك ذات القوة والسلاح والمستوى العسكري، فهل هذه هي الحقيقية؟

لقد دللت الشواهد الحية خلال السنوات الأربع الماضية؛ على أن الجيش الإسرائيلي الذي تعجز عن مواجهته دول الشرق كلها، ينفرد بعضلاته ضد شعب أعزل، وضد قرميد المخيمات، التي يحتمي في ظلالها أطفال رضع، وشيوخ ركع، وإن كان قد أبدى الشعب الفلسطيني صلابة في الصمود، وتحمل الضربات الإسرائيلية، وإن كان قد نجح شبابه المقاوم في توجيه بعض الصفعات للجيش الإسرائيلي، فإن الأمر لا يتعدى مقاومة شعب لجيش احتلال، وبالتالي فالتسمية يجب أن تتواءم مع المسمى، فإن قيل: أنه تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن ذلك يعطي إلى المقاومة صبغة الجيش، وهذا غير صحيح.

والصحيح أن انتشار الجيش الفلسطيني بعد التهدئة، وبعد التوصل إلى تفاهم ما، يؤكد ما ذهبنا إليه، فلو كان الذي تم وقفاً لإطلاق النار، لما ظهر الجيش الفلسطيني بعد انتهاء المعارك، لأن الجيوش لا تظهر إلا في الحروب، وتختفي عند التهدئة، ولكن جيشنا الفلسطيني اختفى في الحرب، وظهر عند التهدئة، وهذا يؤكد أن الذي تم ليس وقفاً لإطلاق النار، إنما محاولة لتهدئة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم المحتلين لتراب وطنه، وبالتالي كان ظهور الجيش الفلسطيني في مواجهة الجيش الإسرائيلي علامة إطمئنان على أمل أن يتحقق بالتفاوض ما مهدت له المقاومة.