جاءت نتائج اجتماع لجنة فتح المركزية، بكامل أعضائها، مخيبة للآمال، بل جاءت لتبعث علي السخرية لا المرارة، لأن عقم النتائج كان متوقعاً، ولا موجب للمرارة، لأن شيئاً لم نتوقعه من مركزية ماكثة، لا يقلقها شيء، سوي كيفية إعادة انتاج مكوثها. فعلي مستوي الانعقاد نفسه، بكامل الأعضاء، صار حدثاً إعلامياً. وربما تكون بعض الجوانب الشكلية للانعقاد، مع تراكم الملفات التي تحتاج الي جدول أعمال طويل عريض، هي التي أوهمت وسائل الإعلام، فظنت أن الانعقاد سيكون حدثاً كبيراً.

وقد حاول عضو المركزية هاني الحسن، أن يعطي عدم الانعقاد وقتما يتوجب الانعقاد، أسباباً شبيهة بملابسات وظروف وأسباب المعركة الضارية ومشقتها، حين قال إننا لم نستطع الاجتماع طوال عشر سنوات. ولعل من باب الترف، أن نتوقف مع اللجنة المركزية، عند هذه النقطة الإجرائية، لنقول إن الانعقاد كان متاحاً بكامل الأعضاء، في الخارج، قبل بدء حصار الرئيس عرفات، وبعد استشهاده، وليس صحيحاً أنهم لم يتمكنوا من عقد جلسة لهم. إنهم لم يرغبوا، وليس لم يستطعوا. بل كان الانعقاد في الداخل، بكامل الأعضاء، متاحاً لو أن الإطار الأعلي، لم ينقسم الي ممانعين في الدخول، ومستعدين له. ففي هذه النقطة بالذات، نقرأ شيئاً عجيباً، إذ يري البعض في الدخول الي الوطن واجباً، بينما يراه البعض عيباً، دون أن ينتقل هذا البعض الأخير، الي أرضية فكرية أو تنظيمية أو سياسية، تعارض أوسلو فعلاً. ودون أن يلجأ الممانعون في الدخول، بإذن إسرائيلي، الي الدخول من أحد أنفاق رفح، مثلما فعلت عروس فلسطينية، قبل أسابيع. فأبو اللطف، كان لديه تحفظ علي أوسلو التحق بعده بـ خارطة الطريق لكن أبا ماهر غنيم لم يكن يعارض هذه أو تلك، وكان هاني الحسن يعارضها، لكنه دخل وأصبح وزيراً لداخليتها، وفي كل هذه المفارقات، ترتسم صورة غياب الانسجام في حركة الحركة وفي رؤيتها، مثلما نلاحظ غياباً للحوار حول أبسط القضايا، ولاحظنا، من خلال البيان الختامي، تحاشياً من انعقاد المؤتمر العام السادس، بإحالة أمره الي لجنة تحضيرية، دون أن تتحدد مواعيد تقريبية، للانعقاد المأمول!

ہ ہ ہ

فما زلنا لم نسمع جواباً محدداً وتفصيلياً، عن السؤال الأهم: متي ينعقد المؤتمر السادس؟! فاللجنة التحضيرية ليست جواباً. أما التحضير للمؤتمر، فلن يأخذ مفاعيل جدية بدون تحديد الموعد. ولعل الكثير من المشكلات، يمكن حلها، من خلال مناخات التحضير، لأن انسداد الأفق، هو أحد أهم الأسباب للوضع المزري في حركة فتح . ولكي لا تكون مشاركة الحركة في الانتخابات التشريعية، محفوفة بالمخاطر، توهمت المركزية الماكثة بأن الإعلان عن إمكانية استقطاب أخيار، وخيول رابحة، من المجتمع، دون أن يكونوا بالضرورة من فتح يمكن أن يسد النقص، وهذا غير جدي وغير صحيح. فالأهم هو أن ترتب الحركة أوراقها، وأن تعيد فرز خيولها للسباق، وأن تعيد تشكيل الأطر القيادية، لكي تطمئن القواعد الفتحاوية، الي قيادة ذات مناقبية عالية، تليق بنضالات الحركة وبتاريخها، لا سيما وأن المؤتمر الخامس، في العام 1989 لم يكن قد فرز في مناخات صحيّة، بالتالي كان أداء اللجنة المركزية، مزرياً للغاية، بخاصة عندما سبق المؤتمر بأقل من سنة، استشهاد نائب القائد العام خليل الوزير أبو جهاد وبعد المؤتمر استشهد صلاح خلف أبو إياد وهايل عبد الحميد أبو الهول ثم توفي القائدان خالد الحسن أبو السعيد وصبحي أبو كرش أبو المنذر ثم لحق أبو عمار رئيس حركة فتح بركب الشهداء، ليصبح فريق المركزية ضعيفاً، ولينسحب ضعفه علي الوضع الفتحاوي بمجمله!

ہ ہ ہ

في المؤتمر الخامس للحركة، في آب (اغسطس) 1989 ما زلت أذكر المشهد الذي طغي، عند إعلان نتائج الانتخابات للجنة المركزية. فقد انفعل الناجحون وهم يتقبلون التهاني من المريدين والمؤيدين، وكان شكل القبلات، عنيفاً وعاطفياً للغاية، بينما دموع الفرح في المآقي، لا يضاهيها سوي الفرح بفوز إغراقي، غير متوقع، بالجائزة الأولي، في لعبة اليانصيب. كان المشهد يدل علي أن الفائزين، إلا من رحم ربي، بصدد مغنم لا مغرم، وبصدد تشريف لا تكليف، وبصدد هناء لا معاناة، وبصدد بغددة لا تقشف. وقيل يومها، علي سبيل التندر، إن فلاناً غيّر إيقاع مشيته فوراً. وجاءت التطورات لتثبت أن هذا هو ما حدث فعلاً، بدلالة أرقام المصروفات والموازنات والرواتب والنزعة الي المكوث أطول مدة ممكنة. إن ما نريده اليوم، مختلف تماماً، في زمن إقامة الجدار العنصري، وعلي أعتاب معركة شرسة، في الضفة، وفي ظروف سياسية إقليمية ودولية معقدة، وفي ظروف فتحاوية سيئة، علي نحو غير مسبوق. فلا بد من إعادة الفرز، في ضوء تجارب السنوات الماضية، بحيث يكون الفوز تكليفاً لا تشريفاً، ومغرماً لا مغنماً، ومعاناة إستثنائية لا هناءً استثنائياً، وسجناً أو صموداً لا سفراً. فالقادم مرير وصعب، ولن يجدي معه، فصيل يقوده متفرجون هانئون. فنحن في انتظار التغيير، ولا نعوّل كثيراً علي انعقاد بعد انفراط متعمد، جاءت نتائجه أفرط من عدم الانعقاد!

- (القدس العربي 3 تموز 2005) -