إن أهم سؤال يواجه أي صحافي فلسطيني اليوم، هو، مارأيك في الإصلاح والخطوات التي تتخذ بذاك الخصوص؟ والحقيقة أنه سؤال مرعب في جوابه، عندما يتعلق الأمر بموتك، أو على الأقل توقيف ترقيتك، اذا كان لك بقية نفس أو أنفاس في هذه الدنيا الفانية على كل حال.

لكن الجواب عن هذا السؤال بالذات، مرتبط بسؤال آخر، وهو، الى أي حد أنت مستعد لأن تموت أو تتبهدل مقابل كلـمات قليلة تنثرها هنا أو هناك حول الإصلاح، وما أدراك ما الإصلاح في زمن كثر فيه الـمصلحون، وقل فيه الصالحون.

ومهما كانت غايتك من هذه الكلـمات التي قد ترفع البعض من الدرجة الرابعة أو حتى التاسعة الى مدير عام أو مدير A، أو على الأقل الى درجة صحافي أو كاتب مرموق، وقد تحيلك الى مجرد رقم يضم الى قائمة الـمرحومين، أو الـمتطفلين والعاطلين الباحثين عن عمل هنا أو هناك على موائد اللئام.

أعود وأقول هذه الكلام، ونحن في عصر الإصلاح التي تحول الى موضة بعز عزيز أو بذل ذليل، والكثير من الـمرتزقة يصفقون له لهدف في نفس يعقوب، دون أن يدري الكثير منهم لـماذا يصفق ولـمن يصفق، بل أن البعض منهم لايعلـم معنى هذه الكلـمة التي يصفق من أجلها.

والعجب العجاب أن الكثيرين من دعاة الإصلاح من هؤلاء، كانوا هم أنفسهم قبل فترة وجيزة ليس لها مكان في ذاكرة الشعوب من الـمحافظين ودعاة الحفاظ على الـمكتسبات والـموروث الوطني، والإنجازات التي تحققت بفضل هذا القائد أو ذاك.

والطامة الكبرى أن الكثير من هؤلاء الاصلاحيين يتجاهل جميع مبادئ الاصلاح التي يتشدق بها صباح مساء اذا تعلق الأمر به أو بشخص ذي علاقة به دون أن يرف له جفن.....فإذا تمكن هذا الإصلاحي من ترقية ابنه الفتى الذي بالكاد تجاوز سن الـمراهقة بقليل الى درجة مدير في إحدى مؤسساتنا العتيدة، فإن الإصلاح هو السبب، ذلك أن مؤسساتنا العتيدة بحاجة الى دماء شابة تعيد اليها نبض الحياة، وإذا حاول أحد الـموظفين مع هذا الإصلاحي لينال ترقية مستحقة كان الجواب أن الهم الوطني العام أهم من الهم الخاص.

وإذا أنفق أحد منظري الإصلاح آلاف الدولارات على فاتورة جواله، قيل أن الهدف هو الإصلاح، ولا بأس أن يموت الجميع في سبيل الإصلاح، واذا قام البعض بشراء أراض من الـمناطق القريبة من الـمستعمرات الـمزمع الانسحاب منها في قطاع غزة، فهو في صميم الاصلاح، وإذا منع إقامة حفل غنائي فذلك من طبيعة الإصلاح، وإذا اعتدى تنظيم على عنصر من تنظيم آخر في وضح النهار فبغرض الإصلاح، وإذا . . . . . وإذا ..... ولانهاية لإذا، ودقي يامزيكا لتطربينا إصلاح في إصلاح.

بلادنا بقدرة قادر أصبحت جزيرة الإصلاح الوحيدة في صحراء الديكتاتوريات القاحلة، رغم أن بعض الإحصاءات الرسمية تشير الى أن أكثر من 50 مواطناً قتلوا خلال عدة أشهر، أي في زمن الإصلاح.

لا أحد يستطيع أن يقلل من خطورة مايحدث اليوم في سوق الإصلاح، وتأثيره الـمباشر على الـمجتمع والفرد صغيراً كان أم كبيراً، فإذا كنت من أصحاب الظهور الـمسنودة ومن دعاة الإصلاح، فأنت في مأمن وإلا فالويل لك مما قد يحل بك في زمن الإصلاح والـمصلحين البعيدين عن الصلاح.

لقد صارت حياة الـمواطن في عهد الإصلاح لاتساوي أكثر من سبعة شواقل أكثر قليلاً أو أقل بدراهم معدودات، فصار من السهولة أن تتعرض الى أي شئ. . . قد يشطح اليه خيالك بدعوة الحرية والحفاظ على الإصلاح.

فصار من السهولة أن يسرق السارق، ويقف بكل صلافة ووقاحة يتحدث من على شاشات التلفاز ليتحدث عن الإصلاح، لتكتشف أنك في كل الحالات كنت مجرد صحافي أو كاتب أو رقم في أي مكان دون أية إضافات في عهد الإصلاح والـمصلحين، مادام هناك من هو مستعد ليحمل "البشكير" لهذا الـمسعول أو ذاك.

كم هو مر أن تكتشف أنك تعيش وسط أشخاص يتلونون تلون الحرباء، فتارة هم مناضلون يفتنونك ببطولاتهم أثناء الحصار، وتارة هم من أصحاب ... والكاس يصعقونك بجولاتهم التي لا يشق لها غبار، وتارة هم من أؤلئك الـمصلحين الأفذاذ يضحون بالغالي والنفيس لتعيش أنت وبنوك في ظل الإصلاح، فيسحرونك ببلاغة قولهم، وعذوبة أصواتهم، وهدوء أعصابهم، رغم أن بعضهم قد لايتورع عن اتباع أرذل الوسائل ليسوق بضاعة من دكان يملكها ولو كانت قهوة أو يتاجر بها.

مسكين أيها الإصلاح كم من جرائم ارتكبت باسمك، وكم من دماء سالت على محرابك، وكم من بطولات وهمية ترددت في جنباتك، فلك الله أيها الإصلاح.

كم كنا نحتاج الى إصلاح منذ أمد بعيد لنكتشف مع كل جريمة، أننا نحتاج الى موتنا، لندرك حقيقة أؤلئك الـمصلحين، ولندرك أيضاً أننا صحفياون وكتاب، لأن الواسطة والدرجات العقيمة لاتصنع دائما مجد كاتب أو صحافي. - (الأيام 9 تموز 2005) -