حين يراد لموضوع الإرهاب الأعمى أن يسيطر على وسائل الإعلام المتعددة, وعندما يحتل كلَّ مساحات هذا الإهتمام على قاعدة الخويف وربما الابتزاز.. وحين تعتبره بعض الحكومات العربية خشبة خلاص للخروج من أزماتها, متطلعة إلى ديمومة وتجديد الحكم القهري.. وفي الوقت الذي تستخدم فيه العمليات الإرهابية كفزاعة ضد أنظمة معينة في خدمة تخطيطات وتصميمات و"ديمقراطيات" العولمة المسعورة, وعندما يتم فرض هذه المسألة المرعبة على أجندة الجمعي والفردي في أحوال العباد, وتتراجع إلى هوامش التجاهل جرائم الغزاة في العراق وفي فلسطين.. وتصبح المكيدة, في مراوغات الغزو والصهينة, بحجم خاريطة الوطن العربي, وتُجهز في مطابخ وكواليس اللؤم والحقد سيناريوهات الإساءة إلى المقاومة العراقية الباسلة وتشويه متعمد لإنشطتها وفعالياتها ضد قوات الإحتلال الغازية الناهبة لخيرات وكنوز العراق, فإن الشك يتقدم التساؤلات مُدعَّماً بأسباب كثيرة..

فما الذي تسعى إلى زرعه في الجسد العربي المترامي الأطراف, قوى العدوان والإحتلال وتوابعها وملحقاتها الذليلة, من طعنات التقسيمات الإضافية وضربات الفوضى وألاعيب خلط الأوراق, وسموم الفتنة والتفرقة والاحتراب الداخلي؟

لماذا تصر حكومة توني بلير على تقديم المشهد ناقص الأجزاء, انتقائي في توجهات تضليلية..فتروح تعزو أسباب الارهاب إلى الشرق الأوسط وحكوماته ودوله وبنياته في التخلف والاستبداد؟

إن كنا نتعاطف إلى أبعد مدى تضامني مع ضحايا الإرهاب في لندن أو في شرم الشيخ, أو في أي مكان آخر..فإن هذا الموقف لا يجعلنا في حالة نسيان هجمات وغزوات الاستعماريين الامبرياليين والصهاينة على أقطارنا وأمصارنا وفي القلب منها العراق وفلسطين, وكذلك, نحن لا نستبعد تسبب أنظمة عربية قمعية في تزويد الارهاب بمبررات لحدوثه, لكن ليس إلى درجة المتسبب الوحيد.

ولننفترض جدلا مع بلير أو غيره, بأن المسؤولية عن الإرهاب تقع على عاتق الأنظمة الديكتاتورية العربية..ألا يحق لذاكرتنا العربية والإسلامية أن تستدعي الأحداث لتشير بأصابع الإتهام إلى حماة وصانعي هذه الأنظمة, قبيلة قبيلة, أم أن النفط بما يتصل به من أطماع وأساليب هيمنة وخطط تجزئة, جعل التصريحات مغطاة بالذهب الأسود, فغابت الرؤية, وخرجت أنصاف الحقائق مذيلة بالقار والغبار؟!

إن المنطق الواضح يبصر في تحليله للأمور دور لايستهان به اضطلعت به جهات غربية استعمارية استعلائية في إعطاء الإرهابيين ذرائع أكثر من كافية لشن أعمال همجية في دول متعددة, بل يصل هذا الدور إلى المشاركة العملية في ممارسة الإرهاب من خلال الغزو الظالم للعراق وقتل وترويع و تعذيب شعبه الأبي, كما يتجلى في السكوت التاريخي عن تشريد الشعب الفلسطيني وتعرضه المستمر لمجازر ومذابح واعتداءات صهيونبة وحشية.

إن الإرهاب يعتمد على أطراف ومراكز ومشاركات مستورة وأخرى محجوبة.. وقد ينتظره البعض ويجده منقذاً من السقوط, نافذة للخروج من أزمات تورطه في غزوات مصيرها الحتمي الفشل والإندحار.

نعم, أن القضايا لا تأتي إلا مع جدلية الإرتباط والتشابك وتقاطع المصالح، وعندما يتوقف الإرهاب الإمبريالي الصهيوني الأكبر في فلسطين والعراق, سيفقد الإرهاب الصغير الشرير المُدان الكثير من مبررات وجوده وانتشاره المَرَضي, في مدارات الظلم والعسف والظلام.