كما لم يكن في أي وقتٍ مضى, لقد بات الإعلام, المرئي منه و المقروء بالإضافة إلى المسموع, يلعب دوراً مهماً في تشكيل وعي المجتمع, و تحديد هويته الثقافية, و لاسيما مع تعدد عوامل التراخي, باتجاه تعزيز منظومة القيم و المثاليات, التي كانت تنعكس على اهتمامات المجتمع حضوراً فيما سبق.

و لعل الصحافة التي تعددت وسائل انتشارها بين خلق الله, تعتبر رافداً مهماً و قوياً للمساعدة في رسم توجهات المجتمع, و إعادة صياغة مفرداته و مصطلحاته و تجديدها, و هذا ما يدعونا للوقوف على بعض الحالات, التي لا نراها صحية, في أبجديات العمل الصحفي, لأنها تترك صدى سمعة سيئة, للعاملين في بلاط صاحبة الجلالة بفلسطين, التي استحوذت على اهتمام كل سكان الأرض, مع الإقرار بوجود أناسٍ قادرين متمكنين, يحيكون حكاية إبداعٍ صحفي و إعلامي متوافر, تُحتسب للوطن و تزيد رصيده النوعي, أمام المشاهدين و السامعين و القارئين و المعلقين من كل مكان.

سأذكر حالاتٍ خمس حول سوء التعامل مع هذه المهنة الرفيعة, و أبدؤها بالتسلسل الآتي:

أولاً: يخلط الكثير من الصحفيين و الكُتاب بين الاختصاصات, و ذلك من خلال إطلاق العديد من الصفات العلمية على نفس الشخص, فنجد بعض الكتاب يتحيرون في انتقاء صفات الظهور أمام القراء في الصحف و المجلات, و كذلك المستمعين في الاستضافات على الإذاعات أو الفضائيات, كأن تصادف كاتباً قد كتب مقالةً في السياسة على صفحات جريدة ما, و عرف نفسه بأنه محلل سياسي, ثم كتب مقالةُ أخرى في مكانٍ آخر و ذيلها بتعريفٍ خاص على أنه خبير استراتيجي أو متابع أو متخصص.

لذا, فإن قليلاً من الناس الذين يفرقون بين الكاتب الصحفي, و المحلل السياسي, و الخبير في الشئون العربية أو الإسرائيلية أو الأمريكية أو الإسلامية, أو المتابع و المراقب و الصحفي, و الإعلامي, و الإعلامي الصحفي و غير ذلك.

و تأخذك الدهشة إن كان الشخص المعني يحاول حيازة أجمل الألقاب و الصفات, فيفصلها و يلبسها كما تشتهي رغبته في الظهور حد الشبق, كذاك الذي أعرفه, و قد تخصص في الأدب و الشعر من خلال الدراسات العليا, حين يحتار في تقديم نفسه, كشاعر أو مفكر أو محلل سياسي أو خبير في الشئون الإسرائيلية لأنه درس الأدب العبري, أو غير ذلك.

ثانياً: يستخدم الكثيرون من الكُتاب مساحة الحرية الممنوحة لهم في المقالات, لينحرفوا عن التحليل الموضوعي للقضايا التي يناقشونها, فيراهم الرائي قد استعانوا بألفاظٍ و مصطلحاتٍ جازمة مانعة, بحيث يكتب المقال و يعطي الحلول بلغةٍ حازمة, لا تقبل إلى جوارها رأياً آخر, فيما يتمنع عن إظهار الطرح المتمثل في سبب القضية التي يطرحها, إلا كما يراها وحده, ضارباً عرض الحائط بطروحاتٍ أخرى, إن وجدت.

ثالثاً: تكاد لغة بعض صحفيي الوطن تنحصر في كلمات معينة لا تحتمل التجديد أو الإبداع, فيصبح الخبر أو التقرير أو التحقيق, معاداً و مكرراً بشكلٍ ممل في كل مساهمات أولئك الصحفيين, بحيث أن الكثير من الأخبار التي نراها, تُسقط ما هو أساسي في الخبر, و تلتزم فيها نبوءة الانتشار و التأثير, بقدر المخزون الثقافي لكاتب الخبر, و الذي لا يعنيه على الأغلب سوى أن يكتب ما هو كاتبه, دون الإطلاع على المصطلحات التي تعرض له في العمل, فلا يجبر صحفي فلسطيني نفسه مثلاً, على الغوص لتعلم الأوليات الطبية أو العسكرية أو غير ذلك, ليستطيع تغطية حادثة إطلاق صاروخٍ على تجمعٍ للمواطنين, لنجد أن الإصابة إن كانت في الكتف أو الذراع أو الكوع أو الكف أو المعصم أو الزند, هي إصابة واحدة قد وقعت في اليد ! و كذاك إصابة القدم أو الساق أو الركبة أو الرجل أو الفخذ, هي ذاتها واحدة !

رابعاً: إن قلنا لأحدهم أن لغتك بحاجة إلى تقويم, و إن الخبر أو المقالة التي كتبتها, أو الرسالة التي خرجت بها قبل قليل على الهواء, كانت ركيكة المفردات, مهلهلة المصطلحات, ضعيفة التأثير و العبارات, رد علينا بسؤالٍ استنكاري فج, و من أنت حتى تقول و تنصح؟ ثم يفاجئك بهجومٍ يدعي فيه أنك لستَ خريجاً من إحدى كليات الصحافة كما هو !!! غير دارٍ بأن ناصحه قد تخرج من كلية لغات و ألسن, و يسر الله له دراسة نماذج الترجمة الصحفية, الإنجليزية و العربية, على أصولها الصحيحة.

خامساً: كثيراً ما يكتب صحفيونا أخبارهم, مدعمين إياها بتصريحات و أقوال المصادر, و التي عادةً ما يتم جمعها, بحيث لا تقبل القسمة أو الطرح, ليقول مثلاً … صرح مصدر طبي أو أمني بدلاً من مصادر طبية أو أمنية, دون أن يتجرأ أحد الصحفيين الذين أعنيهم بقولي هذا و لا أجمع فيه الكل, على ذكر أحد المصادر التي تغذيه بالمعلومات, ليقول على سبيل الافتراض, صرح فلان الفلاني المسئول عن أو مدير كذا أو الناطق باسم, الأمر الذي يعطي انطباعاً للعارفين بأبجديات اللعبة, بأن المصدر هو شيء مجهول, و غائب في حقيقة السؤال عند كتابة الخبر أو غير ذلك .