اليوم, الخميس, الثلاثون من حزيران 2005م, تلتئم اللجنة المركزية لحركة فتح بكل أعضائها في اجتماع يعقد في العاصمة الأردنية عمّان, وهو اجتماع طال انتظاره من الفتحويين المنتشرين في الوطن وفي المنافي وفي الشتات الواسع, وهو الاجتماع الذي يعلن صراحة أن حركة فتح تواجه أزمة, وأزمة حقيقية, على صعيد بنائها الداخلي, وعلى صعيد وظيفتها الرئيسية, وخطابها السياسي والإعلامي, وعلاقتها مع شعبها الفلسطيني الواحد في الوطن والشتات على حد سواء !!! وأن هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة, بل هي سياق تراكمي وليست ذات بعد واحد, بل هي متعددة الأبعاد والوجوه !!!
وأن المسؤول عن هذه الأزمة ليس سبباً واحداً ولا طرفاً واحداً, بل أسباب عديدة وأطراف عديدون, فوعاء الزمن نفسه قد تغّير, وعلاقات القوى الدولية والإقليمية قد تغيّرت, والمساحات السياسية والنضالية قد تبدّلت, والقائد الرمز المؤسس ضابط الإيقاع الرئيسي الأخ أبو عمار لم يعد موجوداً, وصورة الغائب التي كان يتخفى وراءها الكثيرون حل بدلاً من منها صورة الحاضر, التي لم تخلو من مفاجآت غير سارة, وأفق الثورة الواسع انحصر إلى أفق السلطة الضيّق, ومكانة الأخ الأكبر التي امتلكتها حركة فتح لعقود بلا منازع أصبحت مثار خلاف وتنافس كبير, والأحلام الجميلة تمخضت إلى حقائق صعبة, والعدو الذي كنّا نواجهه بالتراشق عن بعد أصبحنا في ملعبه نتصارع معه على أصغر التفاصيل, مثل السماح لوزير أن يتمكن من الوصول لفرع وزارته على مرمى حجر, والذاكرة الإيجابية المضيئة التي ارتبطت بالعديد من قياداتنا في زمن الثورة تحولت إلى ذاكرة سلبية معتمة في زمن السلطة حيث كنّا نتفاخر في الماضي بحجم نضالاتنا, وأصبحنا نتنافس اليوم على عدد سياراتنا, وبيوتنا, واستحواذاتنا غير الشرعية !!!
والتئام اللجنة المركزية
لا نريده أن يغرق في بحر التوقعات المبالغ فيها حتى لا يكون الإحباط مدوياً ولكننا لا نريده أن ينكفئ إلى الصفقات والمقايضات والترقيعات الغامضة, لأن هذا النوع من التسويات, والحلول الجزئية المؤقتة, كان أحد الأسباب الرئيسية في وصول هذه الحركة العظيمة إلى أزمتها الطاحنة الراهنة !!!
ويكفي أن نذكر على سبيل المثال أن عمليات إضافة العديد من الأعضاء إلى الأطر القائمة في المجلس الثوري واللجنة المركزية أعطت مردوداً سلبياً غاية في البشاعة, صحيح أنها تمت تحت غطاء النظام المعمول به, ولكنها تمت ضدّ روح النظام, وضدّ جوهره, وضدّ أهدافه ومراميه, فكانت النتيجة أننا أغلقنا الجرح دون أن ننظفه من الإلتهاب والقيح والصديد !!!
ماذا نريد من هذا الإجتماع ؟!
إننا نريد الإعتراف الصريح بأن هناك أزمة, فهذه أول خطوة في طريق العلاج الطويل, ونريد أن نجسّد وحدة الحركة في الداخل والخارج لأن هذه الحركة خلقت من أجل شعبها, وبين صفوفه, وشعبنا موجود في الداخل والخارج, ونريد أن نؤكد على عقد المؤتمر السادس للحركة في مدى زمني منظور, وليس في نطاق وعدٍ غامض, وليكن نهاية هذا العام مثلاً, أي بعد ستة شهور, وأن نعدّ لهذا المؤتمر إعداداً جيداً وحقيقياً, والإعداد الجيد والحقيقي هو الإتفاق على الأسس والمعايير, وبناء هذه الأسس والمعايير لتكون مرجعيتنا في الإحتكام, ومن خلال الأسس والمعايير الواضحة المتفق عليها نستطيع أن نمارس ديمقراطيتنا الداخلية الحزبية, وليس قبل ذلك, لأننا لا نستطيع أن نلبس العشيرة والعائلة والشلة, لباس التنظيم وندّعي بعد ذلك أننا نمارس الديمقراطية الداخلية !!!
ولكن الإعداد للمؤتمر السادس
يحتاج إلى شجاعة وبصيرة ونوعاً من الانقلاب الذكي على الذات, وعلى سبيل المثال, فنحن جميعاً كفتحويين نعترف بيننا وبين أنفسنا أن إطاراتنا القيادية ممثلة بالمجلس الثوري واللجنة المركزية, نعاني منذ سنوات من تآكل الشرعية للأسباب التي ذكرتها آنفاً, وبالتالي فإننا حين نفتح ورشة الإعداد للمؤتمر السادس, وهو مؤتمر يشكل منعطفاً فارقاً في المسار, لا نستطيع أن نضع المهمة كلها بين يدي هذين الإطارين فقط, لابد من توسيع الدائرة, ولابد من تفتيح مختلف الزهور في الحديقة, ولابد من فوران في المياه الراكدة, وربما تكون هذه هي الفكرة الرئيسية التي خرجت بها ورقة المجلس الثوري في دورته الأخيرة التي تحدثت عن خلية أزمة, ولكننا نريد لهذه الخلية أن تستظل بالمظلة الشرعية لإطارات الحركية دون أن تقتصر عليها فقط, ولابد لهذه الخلية الموسعة أن تعمل, وأن لا تستمر في الوضع الراهن الذي يصطاد فيه البعض العديد من الألقاب دون أدنى فاعلية, تماماً مثل صيادي الفراشات الملوّنة, الذين يجمعون أكبر عدد من هذه الفراشات ويحتفظون بها, ولكن وهي ميتة !!!
وقبل ذلك كله
نريد من اللجنة المركزية لحركة فتح التي يلتئم إجتماعها اليوم في العاصمة الأردنية عمّان, أن لا تطل علينا بمشهد القبل الحارة, لأن هذا سيجعلنا نفقد الثقة, وأن لا نستمر بعد الإجتماع بالتراشق لأن هذا سيجعلنا نفقد الأمل.
ودعاء إلى التوفيق والنجاح - (الحقائق 30 حزيران 2005) -