زحمة بيانات الإدانة ،والاستنكار، والاستنجاد لما تقوم به الجماعات الصهيونية المتطرفة مدعومة من حكومة الاحتلال في مدينة القدس المحتلة من حملة عملية على الأرض ثلاثية الأهداف : استعدادات لاقتحام الحرم القدسي في العاشر من نيسان القادم ، وعملية بناء واسعة في المستوطنات المنتشرة حول المدينة المقدسة ، وأخيرا شراء ممتلكات عربية فلسطينية من وسط المدينة ، قبالة هذا الواقع الذي تعيشه المدينة المقدسة بمسجدها الحرام ، وجد الكثير من الفلسطينيين أنفسهم أمام واجب كتابة بيانات إدانة واستنكار لما تقوم به الحكومة الإسرائيلية .

الجزء الشرقي من المدينة المقدسة المحتلة يتعرض في الأيام الأخيرة لهجمة محمومة غير مسبوقة من قبل الجماعات الصهيونية المتطرفة والحكومة الإسرائيلية، تهدف إلى تفريغ المدينة عبر تهجير سكانها، لإضفاء الصبغة اليهودية على كامل المدينة المقدسة بجزأيها الشرقي والغربي.

فالمستوطنات تحيط بالمدينة من كل جانب، وجدار الفصل يزيد إحكام الحصار على المدينة، لتأتي عملية تسريب ممتلكات البطريركية الأرثوذكسية لليهود بغتة، في بداية مشوار استيطاني صهيوني مخطط لإفراغ المدينة المقدسة من سكان مركزها.

تتكالب على المدينة المقدسة هذه الأيام المخططات الصهيونية العملية على الأرض، وتشتد الحملة المنظمة لتنفيذ مآرب القائمين على عملية التهويد.أموالٌ طائلة تنهال على المهودين من كل حدب وصوب ليغيروا ديمغرافية المكان وجغرافيته ، بعدما عجزوا عن تغيير تاريخه الضارب عميقا في الجذور .

ليس موضوعنا الآن متابعة أهداف إسرائيل من مشروعها الاستيطاني في القدس، ولا متابعة كم متر سلبوا، وكم منزل اشتروا، فكل ذلك لم يعد مجهولا.

الموضوع اليوم يتمحور حول أسئلة جوهرية : ما العمل لمواجهة الخطر المحدق بالمدينة المقدسة والحرم القدسي والسكان المقدسيين ؟وهل من داع لبيانات الإدانة والاستنكار لما تتعرض له المدينة ؟وهل حقق القادة والزعماء العرب يوماً نداء فلسطين لنجدتها ؟ وماذا فعل لنا كل من استنجدنا بهم طوال عقود الحرب القائمة ؟

عشرات الأسئلة مطروحة على الفلسطينيين ، والقمة العربية تحزم حقائبها لتطير من عاصمة المليون شهيد دون أن تضيف جديد لفلسطين عما أضافته قمم العرب الـ(30) ، التي نصرت القضية الفلسطينية بكلمات صيغت بماء الذهب مرة ، وبماء أمريكا مرة ، وبماء...

لم يعد يجدِ الكلام اليوم ، ولا الكتابة ، لذا، مطلوب من الفلسطينيين الكف عن الإدانة والاستنجاد ، فلا إدانات رئيس الوزراء استجيب لها ، ولا دعوات المؤسسات للعالم العربي والإسلامي لبيت ، ولا شيء تحقق من خلال البيانات والندوات والمؤتمرات .

القدس تضيع من بين أيدينا ، وأمام ناظرينا ، فلا متسع أمامنا لمزيد كلام ، مطلوبٌ اليوم تحرك فلسطيني فاعل في القدس ، تحرك تُحشد له كل الإمكانات المالية والمعنوية لمواجهة الخطر الذي وقعت فيه المدينة المقدسة بحرمها وسكانها.على الفلسطينيين الكف عن إصدار بيانات الإدانة والاستنكار ، والكف عن تحميل العالم المسؤولية ، لان العالم لن يفعل لن أكثر من إدانة دبلوماسية شديدة لممارسات إسرائيل ، على عاتق الفلسطينيين تقع المهمة الأساس لمواجهة المشروع الصهيوني في القدس .

التحرك الفلسطيني ضروري لمواجهة المخططات الصهيونية ، فإذا لم يتحرك الفلسطينيون اليوم عمليا ، والقدس تباع وتشترى عبر مستويات عالية ، وبأموال طائلة ، فلن ينفع التحرك في الأيام القادمة إذا ما وصل الخطر إلى كل بيت شارع فلسطيني ، والى كل بيت والى كل شبر فلسطيني في الجزء الشرقي من المدينة المقدسة المحتلة ، قبل أن تتكرر معنا قصة جحا والخطر الذي لم يدهم منطقته إلى أن وصل بيته ...

المدعو هنا للتحرك السريع والعاجل والفاعل السلطة الوطنية الفلسطينية الملهية بملفات شائكة حياتية متشابكة تعجز حكومات ووزارات عتيدة عن تلبيتها في أشهر طويلة، خصوصاً، إذا ما كان لتلبيتها علاقة بالمحتل المتحكم في حياة الناس ومصيرهم. جسامة الملفات التي تعالجها السلطة لا تبرر لها التباطؤ في تحريك الشارع الفلسطيني كله لمواجهة ما تتعرض له المدينة المقدسة من عملية تهويد تتم بجرأة وعلانية لم تعهدها المدينة من قبل. على السلطة الوطنية الفلسطينية إضافة إلى تشكيلها لجنة وزارية للتحقيق في قضية تشريب ممتلكات فلسطينية من وسط المدينة ، أن تشكل لجنة وزارية تقع على عاتقها التخطيط لمواجهة المخططات الصهيونية ، إذا لم تشكل السلطة لجنة وزارية لمواجهة تهويد القدس ، فإنها تسجل عجزها في القيام بالمهام المناطة بها ، وفشلها في الدفاع عن قضايا الشعب الفلسطيني المصيرية . - (المفتاح 24 آذار 2005)-