تريد السلطة الفلسطينية، أن تفرض النظام، وفق الأجندة التي تم الاتفاق عليها في القاهرة. وفي هذا السياق، صرح وزير الداخلية الفلسطيني، نصر يوسف، بأن أحداً لن يستطيع فرض أجندته السياسية، بقوة السلاح. كان ذلك في مناخ الحملة ضد المخالفين، سيما الذين يتاجرون بالمخدرات ويروجونها، والذين يستقوون بالسلاح علي الناس. وفي هذا المناخ، لا بد من التعبير عن القدرة وعن الجدارة، لأن هذا التعبير، هو من مستلزمات العمل الأمني، الذي يستفيد منه الجميع، باعتباره يهييء الوضع الفلسطيني، لكل الاستحقاقات الديموقراطية. وعندما يقول اللواء نصر يوسف، إن الأجهزة الأمنية، ستقف في وجه كل من يحاول، فرض أجندته السياسية بقوة السلاح، فهذا كلام مطلوب، وقبل أن ترد عليه الفصائل، ينبغي أن تتخلص الفصائل من شكوكها ومن حساسيتها، وأن تعتبر الموضوع لا يعنيها، لأن أي فصيل، سواء كان حماس أو غيرها، لا يريد فرض أجندته بقوة السلاح، بل هو لا يقبل علي نفسه، بأن يفرض أجندته بقوة السلاح!

نحن هنا لا نبرر، ولا نفسر نيابة عن وزير الداخلية الفلسطيني. وننوه في هذا السياق الي أن الشطط في التفسير، ومن ثم ردود الأفعال، إنما هو بسبب نواقص الحوار، أو بسبب انقطاع اللقاءات الفصائلية، التي تبحث في كل شي، بشكل مستمر. لكن الوزير نصر يوسف، ليس هو سبب انقطاع الحوار، ولا يتحمل نواقصه، لأن مهمته محددة، وهي فرض النظام. فالواجب أن يساعد الجميع، مواطنين وفصائل، علي إنجاح مساعي الأجهزة الأمنية، لفرض هيبة السلطة، ولإنجاح مساعي الرئيس أبو مازن السياسية، علي الرغم من تسليمنا بأن المحتلين لا يتغيرون، وبأن العدو يكذب ويماطل. لكن الواجب والظرف الوطني يقتضيان الصبر، ويتطلبان تفهم الجميع، تعقيدات اللحظة العسيرة، لكي نواجه ما يُحاك لنا، متحدين، علي قاعدة أن فعل الممانعة الفلسطينية، لا يقتصر فقط علي إطلاق النار والمقاومة العسكرية، وإنما يشمل تصليب عناصر الوحدة، وإثبات جدارتنا في الاصطفاف لتحقيق أهداف شعبنا في الاستقلال والحرية!

ونقول لوزير الداخلية، وللفصائل، وللرئيس محمود عباس، إن صلابة موقفنا السياسي، التي تعبر عنها حالة فرض النظام، والالتزام بما اتفقنا عليه؛ هي وحدها التي تساعدنا علي تكريس بعض المفاهيم، لكي يفهم الآخرون من الأطراف الدولية ظروفنا. أما شارون فإنه يعتبر مجرد وجودنا، علي أرض وطننا، وعلي ظهر البسيطة، فعلاً إرهابياً، وبالتالي يتوجب أن لا نكترث بأن يفهم أو لا يفهم.

فوضع السلاح هو علي النحو التالي، بدون لف أو دوران: 1ـ السلاح غير الشرعي، في مرحلة التحرر، وقبل الاستقلال، هو سلاح الزعرنة والجريمة، وسلاح الاستقواء علي الناس وعلي القانون، وليس هو سلاح المقاومة. ففي مرحلة التحرر الوطني، ليس بمقدورنا أن نُكرس شرعية دستورية، تُقر سلاحاً شرعياً واحداً. فمثلما يستمد سلاح السلطة، شرعيته من نُبل المهمة التي تعطيه الحق في الإكراه، بالقانون، ونيابة عن المجتمع ولمصلحته، فإن سلاح المقاومة، يستمد شرعيته من نبل المهمة، التي تجعل من الصعب علي شارون، أن يأتي لكي يذبحنا في بيوتنا، مثلما يتمني، ومثلما حدث مراراً في تاريخنا المعاصر.

وللتذكير، كان حقنا في حمل السلاح مقدساً، أيام كنا في الشتات، وفي كنف أوضاع دستورية قائمة، في الجوار العربي، وكانت المشكلة، وكان الخطأ، عندما خلطنا بين المهمتين، فتصرفنا كقوة مسلحة، معنية بالإكراه في حياة المجتمع (وهذا شغل الدولة) وكقوة مسلحة معنية بالمقاومة، فآلت الأمور الي تجارب مريرة!

2 ـ لا نستطيع مجرد التفكير بنزع سلاح الفصائل، لمستويين من الأسباب والعوامل، الأول يتعلق بوضعية الاحتلال الذي ما يزال قائماً، والثاني يتعلق بكون هذه الفصائل، ستفقد عمودها الفقري، أمام المجتمع، وهو أجنحتها العسكرية، وبالتالي ستُقصي نفسها طوعاً، إكراماً لعيون التدابير التي لا نعرف أين تتجه. وبالطبع هي لن تقبل ذلك، بل من واجب الجميع، أن يدعم رفص الفصائل لهذا المصير، لأن الاحتلال هو المسؤول عن تنامي الأجنحة العسكرية، وعن تداخلها في نسيج مجتمع مُثخن بالجراح. وهو الذي ارتكب المجازر، وهو الذي سد أفق التسوية المتوازنة، وليس من مهمة السلطة، أن تعالج تداعيات سفالاته، علي حساب وحدة المجتمع وأمنه ومصيره، قبل أن تتحقق التسوية المتوازنة! 3 ـ يمكن من خلال الحوار فقط، أن نتوافق علي منع التمظهر بسلاح المقاومة، في شكل استعراضات. وهذا كل ما للآخرين علينا، في ظل التداخل بين شرعيتين، دستورية تحتكر السلاح وكفاحية يتعدد فيها السلاح. إن التسويات المخادعة، هي التي خلقت هذا التداخل، عندما أفلتت من بين أصابع أصحابها، وتركتنا نواجه الموت، فكان لا بد من المقاومة، التي هي ظاهرة تاريخية، وإحدي سُنن الحياة ومن طبائع الأمور، ومن واجبات الشعوب الحيّة، التي تعرف حدود حقها وكرامتها!

علي هذه القاعدة، يمكن للسلطة أن تعمل، ويمكن للديبلوماسية الفلسطينية، أن تصيغ لغتها، ويمكن للمقاومة أن تتكامل مع السلطة. غير أن الطرفين، السلطة والمقاومة، في حاجة الي تكريس المزيد من الثقة، لكي يستطيع وزير الداخلية أن يصرّح براحته، وأن يقول بأنه سيمنع بكل ما في حوزته من نيران، محاولات أي قوة، أن تفرض أجندتها السياسية بالسلاح. ففي وضعية الثقة، لن يغيب عن بال حماس وغيرها، أنها لا تريد فرض أجندتها بالسلاح، وأنها لا تقبل ذلك علي نفسها، وبالتالي فإن الكلام لا يعنيها! - القدس العربي 6 آيار 2005 -