تبدو اسرائيل استثناءً بين دول العالم. ليست هي التي تنظر الى نفسها على هذا النحو فقط. فالعالم دأب على معاملتها على هذا الأساس أيضاً!

واذا غضضنا النظر عن ظروف قيامها الاستثنائية (الهجرة والقوة والدعم الدولي)، فإن اسرائيل التي تحتل أراضي الآخرين، منذ العام 1967، تصرّ على حقها بالاحتلال، حتى أن وزير خارجيتها سيلفان شالوم يعتبر اراضي الضفة الغربية المحتلة جزءاً من الوطن لا يجوز الانسحاب منه! اللافت ان اسرائيل هذه هي الوحيدة بين دول العالم التي ما زالت تتهرب من تعريف حدودها الجغرافية، والأدهى أن "حدودها" البشرية، أيضاً، تخترق حقوق المواطنة في كثير من دول العالم حيث جماعات تدين باليهودية! على رغم من تجلي اسرائيل على شكل دولة استعمارية وعنصرية ودينية، في الوقت عينه، الا ان التعامل معها ظل يجري باعتبارها دولة ديموقراطية وحداثية! وعلى رغم كونها محتلة وقوية ومتغطرسة وتمارس السيطرة على شعب آخر، فإنه يتم التعامل معها باعتبارها دولة مستهدفة وضعيفة وتدافع عن ذاتها، بل انها باتت ضحية لمقاومة الشعب الذي تحتله وتصادر أرضه وحقوقه!

ويتجلى هذا الاستثناء في مفارقات عدة دأبت اسرائيل على ترسيخها في الواقع الثقافي والسياسي الدولي، أهمها:

أولاً: تعريفها ذاتها باعتبارها دولة يهودية وديموقراطية، مع اعتراف الغرب بها كواحة للديموقراطية في الشرق الأوسط. ومع اعترافنا بتميز النظام الاسرائيلي بالقياس لنظم المنطقة، فإن هذا التعريف ينطوي على تناقض، اذ لا يمكن أن تكون دولة ما ديموقراطية وهي تفتقد لعنصر المساواة بين مواطنيها، حيث أن غير اليهود لا يتمتعون بحقوق اليهود فيها. واسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لا تتطابق فيها حدود الهوية مع حدود المواطنة، بقدر ارتباطها بحدود الدين، الذي تحول الى قومية!

ثانياً، دأبها على انتزاع اعتراف العالم بواقع كونها دولة يهودية، بدعوى ان "اليهودية" بالنسبة إليها تحمل مضامين هوية ثقافية وقومية! والواقع فإن تاريخ تطور الشعوب لم يعرف قومية أو أمة قامت على الانتماء الديني.

ثالثاً، محاولاتها التغطية على طبيعتها كدولة دينية – يهودية بالادعاء بأنها دولة علمانية، أيضاً، في محاولة للمراوغة في اتجاهين: داخلي، ويشمل استقطاب يهود العالم باتجاهاتهم العلمانية والدينية، وخارجي، باعتبار ذاتها جزءاً من المنظومة الحضارية الغربية – العلمانية في هذه المنطقة. ولكن مشكلة اسرائيل انها لا تستطيع التغطية على واقع كونها دولة دينية، يتمتع "الأصوليون" فيها بنوع من "الفيتو"، لا سيما في شؤون الأحوال المدنية، كما يتمتعون بنفوذ كبير، في ميزان المفاضلة بين قيمة الديني والدنيوي، في مختلف المجالات.

رابعاً، حرصها على ضمان تفوقها في المجال العسكري واحتكارها التسلح النووي في المنطقة. وتدّعي اسرائيل انها دولة صغيرة في محيط معادٍ لها ويستهدف وجودها. المعروف ان اسرائيل تخصص نحو عشرة بلايين من الدولارات لنفقات الدفاع (بنسبة 16 في المئة من الموازنة الحكومية و10 في المئة من الناتج السنوي المحلي)، في حين أنها تطالب بالحد من قدرات الدول العربية في مجال التسلح، علماً أن مخصصات الدفاع في الدول العربية، المجاورة لها لا تتجاوز 7.6 بليون دولار! وبينما تطالب اسرائيل بمنع تواجد أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، في الشرق الأوسط (وفي مجمل العالم الاسلامي)، مهما كان حجمه أو قدرته، تبرّر هي لنفسها امتلاك أكثر من 200 قنبلة نووية، اضافة الى الأسلحة الكيماوية والبيولوجية! الواضح ان اسرائيل وهي تدعي انها تدافع عن وجودها تهدد الدول العربية باحتلالاتها، وباحتكارها السلاح النووي، وبسياساتها العدوانية ضد الدول العربية، كما تهدد الاستقرار العالمي.

خامساً، اعتبار ذاتها دولة ليهود العالم، مع ضمان حقها في تهجيرهم اليها، باعتبارها اياهم جزءاً من الشعب اليهودي خاصتها! وقد هاجر الى اسرائيل منذ قيامها 3 ملايين يهودي، بتأثير الدعاية الصهيونية، وبضغط من الأوضاع السياسية أو الاقتصادية التي كانوا يعانون منها في أوطانهم الأصلية. وهكذا أباحت اسرائيل لذاتها التدخل في شؤون الدول الأخرى، ونصبت نفسها محامياً أو وصياً على الطوائف اليهودية في دول العالم، بدعوى أنها مركز اليهودية، وبأنها الملاذ الآمن ليهود العالم. الثابت أن ادعاءات اسرائيل هذه أحرجت الطوائف اليهودية في العالم، وخلقت لديهم شعوراً من الانتماء المزدوج.

سادساً، تغطيتها احتلالها للأراضي الفلسطينية والسورية بالاعتبارات الأمنية، وبدعوى حماية وجودها. وهكذا فإن اسرائيل وعلى رغم احتلالها لأراضٍ عربية، ومقاومة السكان الأصليين لها طوال عقود من الزمن، تصر على الاحتفاظ بالأراضي المحتلة، بدعوى الحفاظ على أمنها، بمعنى انها تبرر استعمارها! وفي الواقع لا يعود الفضل في ترويج وترسيخ هذا الاستثناء لقدرات اسرائيل وحدها، فقد ساعدت على ذلك عوامل متعددة، أهمها: – اعتبار الدول الغربية الكبرى لهذه الدولة امتداداً سياسياً لها. - (الحياة اللندنية 9 آيار 2005) -