i


كان يمكن لوزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم، ان يكون قائداً لحملة انتخابية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية المزمع عقدها، او على الاقل، حاول ان يكون كذلك عندما ربط بين خطة اخلاء قطاع غزة من المستوطنات والمستوطنين، وفقاً لخطة الانفصال من جانب واحد، وبين نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقبلة، فقد قال شالوم رداً على سؤال في ندوة حول ما سيكون عليه الرد الاسرائيلي اذا فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية "يبدو من غير المنطقي بالنسبة لي ان نمضي في تنفيذ خطة الفصل وكأن شيئاً لم يحدث" وينطلق شالوم من نظرية يحاول مع الحكومة الاسرائيلية ترويجها، تعتبر الخروج من غزة، جزءاً من استحقاقات خارطة الطريق، بينما هي في الواقع، وفقاً للمنظور الاسرائيلي، خطة التمسك الدائم بمعظم مناطق الضفة الفلسطينية المحتلة، وضمها بشكل نهائي الى اسرائيل 1948 وتغيير جوهري في الخط الاخضر الذي سيصبح، من ناحية الخطة الاسرائيلية، متوازياً مع الجدار الحدودي، ولأن الامر كذلك، ردت مصادر رسمية اسرائيلية على أقوال شالوم عندما اشارت الى ان الاحتلال سيقوم بتنفيذ "خطة الانسحاب" من قطاع غزة وبعض الاراضي في الضفة الفلسطينية بصرف النظر عن نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، اذ ان خطة الانفصال - تتابع المصادر المشار اليها - خطوة اسرائيلية احادية الجانب وليس لها علاقة بما يحدث في السلطة الفلسطينية.

خطة الإخلاء الاسرائيلية، كما يفهم من تصريح - رد المصادر الاسرائيلية الرسمية لا شأن بها بالوضع الفلسطيني، ويمكن ان نضيف في هذا السياق، ان الخطة لم تأخذ بالاعتبار الا المصلحة الاسرائيلية، وهي انما تخدم هذه المصلحة التي تعكس رؤية اسرائيلية دقيقة ومحددة لمستقبل الصراع في المنطقة، جوهرها الاساسي، تكريس الوضع القائم، من الناحية الواقعية كحقيقة تتجاوز اية عملية تفاوضية محتملة، خطة الاخلاء انما هي في المحصلة الاساسية خطة تحديد حدود الدولة العبرية من الناحية الواقعية، وكما فرضت على المجتمع الدولي القبول الضمني بالاستيطان واحتلال القدس، فهي الآن، تروج خطة الاخلاء لتكريس واقع مواز، ولكنه مختلف تماما في الضفة الفلسطينية.

كل ذلك، في الوقت الذي أجلت فيه حكومة شارون موعد الاخلاء الى اواسط آب بتأخير ثلاثة اسابيع تقريبا عن الموعد المحدد سابقاً، لكن هذا التأجيل لم يكن فقط بسبب الأعياد اليهودية، بل ان هذا السبب اضيف الى مجموعة اسباب اخرى تتعلق بعجز حكومة شارون على الإجابة عن سؤال محدد، ما هو مصير المستوطنات، هل تترك الأبنية كما هي أم تدمر، فإذا تركت كما هي فإن الفلسطينيين سيرقصون طرباً على أسطح مبانيها، وهو انتصار معنوي كبير لن تسمح به حكومة شارون، أما اذا دمرت، فإن صورة اسرائيل أمام العالم ستهتز من جديد، وهذا ليس كل ما في الأمر، فقد اشار نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي شمعون بيريس، الى ان الانسحاب لم يصبح أمراً مسلماً به بعد، وقد يتأخر لأشهر، وقال لجيروزاليم بوست مبرراً أقواله: "نتحدث عن 12 مليون طن من الحجارة، يلزمنا ثلاثة أشهر لإزالتها، وسيكلفنا ذلك 57 مليون دولار، كما ينبغي العثور على مكان لردمها في اسرائيل، وهذا بحد ذاته من شأنه ان يعرقل عملية الانسحاب".

وبالفعل، فقد حاولت حكومة شارون بداية الامر تسويق امكانية الإبقاء على مباني المستوطنات باعتبار ذلك هدية للسلطة الفلسطينية، وكرماً اسرائيلياً للفلسطينيين، وعندما وجدت ان الجانب الفلسطيني غير متحمس لتسلم هذه المباني، وفقاً لهذه الاعتبارات، اخذت تتحدث عن حقيقة الامر، فهي لا تستطيع تدميرها وهدمها، كما انها لا تستطيع ان تتركها كما هي، الجانب الفلسطيني، كان حريصاً في هذا المجال، على ان لا يطرح خيارات محددة، اسرائيل تخلي القطاع من جانب واحد، والفلسطينيون سيتسلمون المناطق المخلاة، بصرف النظر عن الكيفية ودون ان يدفع الجانب الفلسطيني مقابلاً سياسياً او إعلامياً لصالح اسرائيل، وبنفس الدرجة من العقلانية، رفض الجانب الفلسطيني ان تجري عملية شراء من قبل اية جهة، للمواقع والمباني في المستوطنات باعتبار ان الامر يتعلق بمناطق فلسطينية محتلة، على اسرائيل ان تدفع تعويضات لصالح الجانب الفلسطيني عن استثمار هذه الارض طوال سنوات الاحتلال، اذ لا يمكن ان تشتري أرضاً هي بالأصل ملك لك، اسرائيل ستخلي المستوطنات من جانب واحد لصالح رؤية اسرائيلية بحتة، وعليها ان تدفع ثمن ذلك! ولا بد هنا من التوقف قليلاً أمام رؤية عرضها الباحث هنري سيغمان مؤخراً (الحياة اللندنية 10/5/2005) وهي جديرة بالاهتمام، إذ يقول "لعله من باب السخرية المطلقة ان تكون الدولة الفلسطينية هي الوحيدة القادرة على تأمين بقاء اسرائيل كدولة يهودية، ومع استمرار وترسيخ مشروع شارون الاستيطاني في الضفة الغربية - ليس على الرغم بل "بسبب" الانسحاب من غزة وتقليص مساحة الضفة الغربية وتجزئتها بشكل متواصل، سيسعى الفلسطينيون عاجلاً أم آجلاً الى التخلي عن حل الدولتين واستبداله بالمنطق السياسي لتكاثرهم السكاني... السبيل الوحيد لتفادي ان يتحول اليهود الى اقلية في دولتهم هو قيام دولة فلسطينية بجانب اسرائيل، ناجحة وقابلة للعيش".

هذه الرؤية التي ينبغي التوقف عندها من قبل الجانب الاسرائيلي تحديداً، تشير الى ان الوقائع السكانية، وليس الاستيطانية الاسرائيلية، هي التي ستحسم مستقبل اسرائيل، كما يشير سيغمان وإلا فإن عدم رؤية ذلك، سيدفع بالفلسطينيين الى اللجوء الى الحل الامثل بالنسبة لهم في ضوء هذا الواقع، دولة ثنائية القومية، يكون للمواطنين الفلسطينيين، الكلمة الفصل فيها بالنظر الى الديمغرافيا، مصلحة اسرائيل، كما يراها سيغمان في رؤيته تلك، تقضي بإقامة دولة فلسطينية حقيقية الى جانب اسرائيل "دولة اليهود" لكن ما يجري على الارض، رؤية شارون، فهي لا تقود الى ذلك، بل تقود الى دولة عبرية محاطة بجدار تحيط به من كل جانب، تجمعات فلسطينية سطت اسرائيل على أملاكها ومزارعها، ولم يعد لديها ما تخسره، رؤية الباحث في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، هنري سيغمان، يجب ان تضاف الى جملة الاسباب التي تفرض على اسرائيل السعي الى حل يرضي الفلسطينيين، ليس "لسواد عيونهم"، ولكن لأن في ذلك ضمان مستقبل اسرائيل كدولة يهودية.

المنطق السياسي للتكاثر السكاني الفلسطيني، يقضي بخطة مواجهة، تعود الى إحياء مشروع دولة ثنائية القومية في مواجهة خطة شارون، ما قد يضطر معه رئيس الحكومة الاسرائيلية ان يعيد النظر بخطته، فبدلاً من اخلاء قطاع غزة، يصبح الانسحاب الشامل من كل المناطق الفلسطينية في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، الى حدود الرابع من حزيران 1967 وإلا فليس أمامه الا الحل الآخر، دولة ثنائية القومية تلغي "يهودية اسرائيل" تقودها اكثرية سكانية فلسطينية في مستقبل.. ليس بالبعيد!!.

(الايام-11/5/2005-).