أحيا الشعب العربي الفلسطيني في الداخل وفي المناطق الفلسطينية التي احتلت في عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967 وفي الشتات الخميس الـ11 من أيار (مايو) الذكرى الـ57 للنكبة التي حلت بنا في العام المشئوم 1948. إنها ذكرى مؤلمة لهذا الشعب الذي فقد وطنه من اجل الغير، الذي أقام عليه دولة لا تتوقف ولو للحظة واحدة عن تنفيذ خططها الأخطبوطية للتوسع والإجهاز على ما تبقى من فلسطين. مع ذلك وعلى الرغم من التراجع الخطير في الموقف العربي بشكل عام، والفلسطيني الرسمي بشكل خاص، في مسالة أهم الثوابت الفلسطينية، حق العودة، فإننا نورد في هذا السياق عددا من الملاحظات المهمة لإنارة النفق المظلم وإيقاظ بعض الزعامات الهزيلة من أقفاص رهاناتها الخاسرة، وأيضا التأكيد على حقنا في تربية أطفالنا وأولادنا بان حق العودة إلى فلسطين أهم بكثير من إقامة الدولة، لان إقامة الدولة ستقطع الطريق على العودة وتعيد إلى الأذهان المخططات الشرسة لتوطين اللاجئين، في حين أن تحقيق العودة سيبقي الطريق مفتوحة لإقامة الدولة المستقلة والعلمانية والديمقراطية على التراب المغتصب.

من المفارقات العجيبة والغريبة في هذا الزمن الرديء أن العديد من المنظمات اليهودية الإسرائيلية شاركت في إحياء الذكرى نذكر منها "تعايش"، ومجموعة "بات شالوم" و"صوت آخر في الجليل" ومنظمة "الدخول الأسود" في المسيرة التقليدية. قد يرى البعض أن هذه القوى هي هامشية في المجتمع الإسرائيلي ولكن من الضرورة بمكان لفت الأنظار إلى أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، أي أن مشاركة هذه الجمعيات هي بمثابة تحطيم طابو إسرائيلي وهو الإجماع الصهيوني على رفض حق عودة اللاجئين إلى أرضهم ووطنهم. بكلمات أخرى، مشاركة هذه الحركات الإسرائيلية في إحياء ذكرى النكبة ربما تدل على بداية هزيمة المشروع الصهيوني. كما انه بإمكاننا اعتباره انتعاشا لقضية العودة التي أصبحت مطلبا وطنيا من الدرجة الأولى لكل الأحزاب والفعاليات السياسية الناشطة في البلاد.

بموازاة هذا التحرك الصغير صاحب المدلولات الكبيرة، نرى أن بعض القيادات والرموز الفلسطينية الهزيلة والمتنفذة التي لا تمثل سوى أنفسها بدأت بتذويت الموقف الأمريكي والإسرائيلي الرسمي بان حق العودة الذي نصت عليه الشرعية الدولية أصبح في خبر كان، وان تحقيقه يعني القضاء على إسرائيل، ولا غضاضة في هذا السياق أن نذكر هؤلاء بأننا نخجل بهم ومنهم وبان اللاجئين الفلسطينيين يشكلون 65 بالمائة من الشعب العربي الفلسطيني، وبطبيعة الحال فإنهم يمثلون أنفسهم ولا حق لأحد الزعم انه يتكلم باسمهم، والادعاء انه يعبر عن آلامهم وآمالهم، فالتاريخ علمنا أن القيادات إلى زوال، أما الشعب فانه باق. بكلمات أخرى نستطيع الجزم أن هذه القيادات تعاني من أزمة الهزيمة وتبحث عن مخارج لتصدير أزماتها ولكن شعبنا المرابط بالمرصاد، يمهل ولا يهمل.

بالإضافة إلى ذلك نعتقد انه على القيادة الإسرائيلية التوقف عن تسويق الأوهام الغيبية لشعبها حول العودة، إذا كانت هذه القيادة مسئولة فعليها أن تقول لشعبها بصريح العبارة أن عودة اللاجئين هي لب النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لان مواصلة الكذب ستؤدي في نهاية المطاف إلى إدخال الشعب برمته في مسالة الأزمة المتجذرة أصلا، وهنا تبرز جليا قضية رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، الذي أصبح مأزوما.

وملاحظة أخرى تتكرر سنويا في يوم النكبة، نشاهد المناظر التي تقشعر لها الأبدان: عرب من أبناء جلدتنا يخرجون من بيوتهم إلى الأحراش والحدائق العامة ويقومون بالاحتفال بيوم استقلال إسرائيل. هذه المشاهد المخزية تدل على أن الفئة الضالة من مجتمعنا متأسرلة حتى النخاع، ففي الوقت الذي يسير معنا اليهود الإسرائيليون في قريتي الهوشة والكساير المهجرتين ويتضامنون معنا حول عودة اللاجئين إلى أوطانهم، تقوم هذه الحفنة من العرب بإحياء ذكرى النكبة بشواء اللحوم في الحدائق العامة التي أقيمت على أراض كان يملكها اللاجئون.

وكلمة حق: تحية وألف تحية للجنة الدفاع عن المهجرين في الداخل الفلسطيني التي تعمل على مدار السنة في تنظيم الزيارات للقرى المهجرة وعددها 430 قرية، هذا العمل المبدئي الدوؤب هو الكفيل الوحيد بمواصلة التشبث بالأرض وهو الرافعة لقضية المهجرين في إسرائيل وعددهم نحو 250 ألف لاجئ. ومرة أخرى ألف تحية فلسطينية لهذه اللجنة التي تمكنت من تأطير المهجرين في وطنهم والدفاع عن حقوقهم المسلوبة، ونحن على ثقة بان الفعاليات السياسية في الشارع العربي تؤيد هذه النشاطات وتشجعها وتدفعها قدما إلى الأمام لما في ذلك من مصلحة لأبناء شعبنا.

في كل عام نحيي فيه ذكرى النكبة المشئومة نقول:استقلالكم نكبتنا، وفي هذه السنة نقول للإسرائيليين: استقلالنا ليس نكبتكم.

الجمعة 13 أيار (مايو) 2005