وعندما يوفر رئيس جامعة القدس الفرج الفلسطيني لاسرائيل
اتفاقية التعاون بين جامعة القدس الفلسطينية والجامعة العبرية في القدس الغربية, ليست من باب الاكاديميا بقدر ما هي من باب السياسة, الا اذا اعتبرنا الاكاديميا جزءا من اجهزة الدولة وبناء الامة ومن السياسة, انتاجها وتحليلها واعادة انتاجها.
فما اقدم عليه د. سري نسيبة رئيس جامعة القدس من توقيع اتفاقية تعاون مع الجامعة العبرية اواخر الاسبوع الفائت (19 ايار), سيكون السلاح الاقوى الذي بامكان اسرائيل وكل اصحاب ومؤيدي مشروعها الاستعماري العنصري, في الغاء قرار اتحاد المحاضرين البريطانيين, خلال اعادة النظر بتاريخ 26 ايار في القرار السابق للمنظمة بمقاطعة جامعتي حيفا وبار ايلان.
قرار المحاضرين البريطانيين المذكور منذ اسابيع والمدعوم من الاف الاكاديميين, شكل فتحا جديدا وتحولا نوعيا سيفتح المجال امام المقاطعة الموجهة الى جوهر اسرائيل العنصري الاستعماري وعدم حصره في تداعيات التعبير الاكثر فظاظة ألا وهو الاحتلال وجرائمه؟. وهذا التحول من شأنه ان يضع اسرائيل كنظام وكيان في قفص الاتهام الدولي الشعبي اولا ولاحقا الرسمي, ويفرض عقوبات دولية عليها.
في المقابل فان سؤال المقاطعة يضع ايضا في الامتحان دور جماهير شعبنا ومؤسساتنا من جانبي الخط الاخضر بما فيها السلطة الفلسطينية وسقفها السياسي. السلطة الفلسطينية التي يتطلب منها ان تحسم وجهتها ووظيفتها وان تحدد اذا كانت وظيفتها الممكنة الوحيدة هي ان تلعب (او تلعب اسرائيل بها) دور صمام الامان والحماية لاسرائيل سواء دوليا في وجه مطلب معاقبة اسرائيل ومقاطعتها, ام عربيا اقليميا في وجه الحركة الشعبية لمناهضة التطبيع مع اسرائيل والمشروع الصهيوني, ام فلسطينيا في حماية اسرائيل بانهاء دور حركة التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال بكل الوسائل, وهل ستقبل في تجزيء المشروع التحرري الفلسطيني وحصره في السعي لانهاء الاحتلال في الضفة والقطاع ام احالة الموضوع الفلسطيني بشموليته الى م.ت.ف بصفتها الجهة الممثلة للشعب الفلسطيني ولنضاله التحرري وعندها ان تاخذ السلطة دورها ضمن المشروع الفلسطيني التحرري العام بدل ان تحاصره.
سري نسيبة عمليا يدور في فلك هذا الموقف ولا يبتعد عنه الا بمدى علنيته ومدى الورطة, وفي كون د. نسيبة في حل من لعب هذا الدور فيما لو اراد خلاف ذلك. لكنه يقوم بذلك عن وعي وسبق اصرار ومعرفة مسبقة بالضرر, في حين انه ليس ملزما بقواعد اللعبة الاسرائيلية ولا يخضع بالضرورة لتوازن القوى بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. ان هذا التوازن والسلوك الفلسطيني الناتج عنه انما يشكل عقبة امام اتساع دور حركات التضامن العالمية وبالذات حركات المقاطعة التي تطالب بفرض عقوبات دولية على اسرائيل, مع العلم المسبق ان السلطة الفلسطينية هي نتاج ورهينة هذا التوازن, في حين ان سري نسيبة ولو من باب الحرية الاكاديمية والامانة الملقاة على عاتقه كونه رئيس جامعة القدس فهو في حل من هذا الالتزام والالزام الذي تتواجد به السلطة الفلسطينية.
الواقع المعاش هو ان اسرائيل ومشروعها الاحتلالي الاستيطاني الصهيوني العنصري, تلزم اطراف فلسطينية ان تحميها, او تخلق لها وهم مصلحة ان تحميها وذات الوقت تمنعها من استخدام اية حماية, ليتغذى هذا النهج بطرفيه الاسرائيلي المسيطر والفلسطيني من توازن القوى العالمي والدعم الامريكي غير المحدود لاسرائل. والموقف الاوروبي مزدوج المعايير.
ففي كل مرة تطرح فكرة او حملة دولية لمقاطعة اسرائيل, نجد الحجة الاوروبية الرسمية انه توجد مفاوضات او محادثات اسرائيلية فلسطينية او انه توجد في الافق خطة فك الارتباط الاسرائيلية. واذا تطلب الامر اكثر من ذلك فان شخصية فلسطينية في موقع مرموق وفي هذه الحال سري نسيبه يمد حبل الخلاص غير آبه لحالة الاحباط التي يجرّها على حركات التضامن العالمية وعلى المقاومة الفلسطينية وشرعيتها.
لقد اصبح داخل الشعب الفلسطيني وهذا ليس بجديد لكنه انتعش مؤخرا من يدفع ثمن مواقفه وهم الغالبية, وكذلك من يقبض ثمن مواقفه لكن الاسوأ من الاخير هو جهة اخرى تقبض ثمن مواقفها ومواقف غيرها الوطنية والتي تتهم المقاومة بالتطرف والارهاب وفوضى السلاح وما الى ذلك من مصطلحات مرحلة الهيمنة الامريكية النيولبرالية تحمل فيها الشعب الفلسطيني ضحية اسرائيل وجرائمها المسؤولية كما لو كانت اسرائيل هي الضحية والمشكلة في السلوك الفلسطيني.
هذا السلوك الفلسطيني يجب ان يتوقف, وهذه مسؤولية الشعب الفلسطيني اولا. وايقاف ذلك ليس بالعنف بل بخلق وتأكيد حالة شعبية مؤسساتية وحتى سلطوية اذا كان بالامكان, ترفض سلوك سري نسيبة وامثاله, وتلغي قراره واتفاقية التعاون مع الجامعة العبرية لقرار فلسطيني رسمي ناتج عن راي عام فلسطيني, واطلاق حملة تاييد فلسطينية لاساتذة الجامعات البريطانيين الذين تحدوا وخاطروا بمواقعهم خدمة للشعب الفلسطيني وتضامنا معه.
ان التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني يتسع بقدر ما يناضل الشعب الفلسطيني وليس بقدر ما تتواطأ شحصيات منه تحت شعار الواقعية والتنظير لنهاية عصر المقاومة وحركات التحرر الوطني, وانقاذ ما يمكن انقاذه. فالشعب الفلسطيني ليس مهزوما امام اسرائيل.
اسرائيل التي وجدت فيها غالبية ساحقة رسمية وشعبية تعارض اتفاقيات وهمية تبدو اسرائيلية فلسطينية ولكنها تمثل السيطرة الاسرائيلية في روحها, تحتمي ايضا بهذه الاتفاقيات وكتبتها. ليتضح ان المستفيد الوحيد من هذه الاتفاقيات (نسيبة – ايالون وجنيف) هي اسرائيل التي عارضتها واسقطتها من جدول اعمالها الرسمي والشعبي بينما الخاسر هو شعبنا الفلسطيني حيث السلطة الفلسطينية باركتها او على الاقل لم تقل كلمة واحدة ضدها. وعمليا لم توفر السلطة حماية فلسطينية بالقدرات المحدودة للشرعية الدولية التي تحمي الحق الفلسطيني.
وهنا يجدر التاكيد ان ما قام به سري نسيبة لا يندرج ضمن حرية التعبير, لان هذا ليس تعبيرا بل فعلا رسميا وباسم جامعة رسمية فلسطينية وباسم الاكاديميا الفلسطينية. وهو عمليا فرض سياسة على الشعب الفلسطيني كله. وتوقيته يعكس موقفا اعتراضيا من حملة المقاطعة البريطانية ضد الجامعات الاسرائيلية ونصرة للحق الفلسطيني.
اسرائيل التي لا تتورع عن شيء مستعدة حتى الاستفادة من تجنيد رؤساء سلطات محلية عربية فلسطينية داخل اسرائيل لدعم كلية يهودا والسامرة في مستوطنة ارئيل ليتزامن ذلك مع قرار الاكاديميين البريطانيين بمقاطعة الاكاديميا الاسرائيلية. والان تحتمي بالفرج الذي وفره لها الجامعة العبرية الاسرائيلية ورئيس جامعة القدس الفلسطينية. وفي مثل هذه الحالة فان توازن القوى المحلي والعالمي يجعل من موقف شخص او بضعة اشخاص كفعل المجهر الذي يبديه كما لو كان موقف شعب باسره, ويصغّر موقف شعب باسره كما لو كان على هامش هذه الشخصية او تلك.
حركة المقاطعة وحركة مناهضة التطبيع
في وضع تتهافت الانظمة العربية الى التطبيع مع اسرائيل, وتوفر اوساط فلسطينية حبل الخلاص لاسرئايل من احدى ورطاتها, وفي حين يزداد المشروع الصهيوني نهما ويطالب العالم بالاعتراف باسرائيل كدولة يهودية وليس فقط كدولة, فان سؤال العلاقة بين الحركات الشعبية والدور الفلسطيني يصبح اكثر محورية.
العلاقة مع حركة مناهضة التطبيع العربية وحركة المقاطعة الدولية ومقاومة الشعب الفلسطيني يجب ان تكون علاقة تكاملية اذا اردنا لها النجاح. والمحور الفلسطيني هو الاساسي فيها. وهو ما يئثر على التفاعلات الاخرى. والمتوقع من الموقف الفلسطيني الشعبي والرسمي ان يدعم ويعزز دور مناهضة التطبيع ودور حركات المقاطعة. واهمية حركات مناهضة التطبيع انها تستهدف جوهر اسرائيل وعدم استبدال ذلك بتفاصيل عينية. وهذا مهم ان تدركه ايضا حركة المقاطعة التي لها تاثير اوسع عالميا لحد الان بينما حركة مناهضة التطبيع تتفاعل عربيا, في حين ان استراتيجية التكامل بين الحركتين ضرورية وتمنحها قوة الاستدامة.
في نظرة سريعة لحركة المقاطعة لاسرائيل او دروس اولية من مقارنة ذلك مع حركة المقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا, انه في الحالة الاخيرة تم التركيز على جوهر النظام وشرعيته, وهذا يعني انه سواء اتخذ موقفا اكثر سوءا في شأن معين او اقل سوءا فان حركة المقاطعة العالمية والمقاومة المحلية مستمرة وتتصاعد.
اما في الحالة الفلسطينية فقد اخطأت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية حينما حاولت تنشيط ضغوطات دولية وحركات مقاطعة حول موضوع محدد يدخل ضمن التفاصيل وليس الجوهر بكل مركباته. ففي الانتفاضة الاولي طرح موضوع انهاء الاحتلال, لكن في الانتفاضة الثانية انحصرت حملات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الاستيطان والمستوطنات ومن ثم في الجدار الاحتلالي. صحيح ان هذه الامور في غاية الاهمية ومصيرية, لكن التجربة اكدت ان ملاذ اسرائيل دائما في التجزيئية الفلسطينية التي تركز على جزء من الغبن او مركب واحد فيه وليس على جوهر الغبن وجوهر اسرائيل كنظام استعماري عنصري.
وهذه الاستراتيجية التجزيئية سقطت في كل امتحان واسقطت سلبيا على النضال الفلسطيني. وادوات اسقاطها كانت اما المحكمة العليا الاسرائيلية, او "المفاوضات" الاسرائيلية الفلسطينية التي لا تنتهي بنتائح للصالح الفلسطيني, واما المبادرات المشتركة والوثائق المشتركة مثل وثيقة ايالون – نسيبة ووثيقة جنيف لتصبح اطراف هذه الوثائق هي منقذة اسرائيل من ورطاتها. وهذا ما يعود بالضرر على المبادرات الشعبية وعلى الروح النضالية.
الفعل الفلسطيني الرسمي وشبه الرسمي او القيادي بوجه عام له تاثيره الكبير سواء الايجابي ام السلبي. وللاسف فس الفترة الاخيرة اكثر سلبية. فأين الاسهام الفلسطيني لصالح حركة مناهضة التطبيع العربية وكيف نفسر هذه الهشاشة الوطنية التي تقوم ادوات فلسطينية في تسديد ضربة لحركة المقاطعة العالمية في مرحل بلورتها, وللاطراف الفلسطينية الشريكة في اطلاق هذه الحركة العالمية.
الفلسطينيون في الداخل
المجتمع الفلسطيني في الداخل مواطني اسرائيل ليس معفيا من الاسهام في هذه الحملة وهذه المعركة الهامة. ويطرح السؤال: هل المؤسسات الفلسطينية داخل اسرائيل ستسهم في عملية المقاطعة ام ستكتفي بموقع المتفرج او الاحتماء بحجة "خصوصية الموقع" الاسرائيلي لتبرير سكونها.
لكن هناك تجربة اثبتت قوتها ونجاحها وهي المؤتمر الدولي ضد العنصرية في ديربان 2001, عندما حددت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني استراتيجيتها في محاصرة النظام العنصري الاسرائيلي, واستقطبت اوسع دعم وتحالف شعبي دولي, ادان اسرائيل كنظام استعماري عنصري بسبب جرائمه ضد كل الشعب الفلسطيني من طرفي الخط الاخضر وفي الشتات.
والاساس كان في دور مؤسساتنا من الداخل, اننا تعاملنا مع انفسنا جزءا ليس فقط من الشعب الفلسطيني بل من القضية الفلسطينية كما الاجزاء الاخرى من شعبنا في الوطن والشتات, وتجاوزنا التعامل التجزيئي مع الحالة الفلسطينية العامة, وبالطبع في المقابل مع جوهر اسرائيل.
حركة مناهضة التطبيع وحركة المقاطعة لاسرائيل ليست شأن من يبادر لها فحسب من انصار الشعب الفلسطيني بل مسؤوليتنا ايضا. فكما تقوم اسرائيل واجهزتها باساءة استخدام اسم جماهير شعبنا من خلال موقف رؤسات سلطات محلية داعم لكلية اكاديمية في مستوطنة ارئيل (نشر كاعلان مدفوع الاجر – هارتس 2 ايار) وكما تقوم الدولة باستخدام اتفاقية التعاون بين جامعتي القدس والجامعة العبرية, فاننا مطالبون ان نوضح موقفنا.
هناك توقع منا كمؤسسات المجتمع المدني فلسطينيا وعربيا وعالميا, وهناك توقع من لجان واتحاد الطلاب العرب, وهناك توقع من المحاضرين والاكاديميين العرب, وهناك توقع من مؤسساتنا الوطنية ومؤسساتنا الاعلامية ان تدعم حركة المقاطعة العالمية لاسرائيل وان نكون شركاء فيها, وهذا لا يتعارض بالضرورة مع مطالبتنا بالحقوق, بل بامكانه ان يدعم هذه المطالبة وهذا منوط بقوة دورنا. - (مفتاح 23 ايار 2005) -