قالت مؤخراً القاضية الإيطالية كليمنتينا فورليو أن المقاومة في زمن الحرب والاحتلال ليست إرهاباً. وقد زادت على ذلك حين اعتبرت " ان المسلحين الذين يهاجمون أهدافاً عسكرية أو تابعة للدولة، حتى في حالة استخدام الانتحاريين، لا يمكن اعتبارهم إرهابيين في زمن الحرب والاحتلال"...واستندت القاضية الإيطالية في حيثيات حكمها إلى القانون الدولي التقليدي.
وقد حذرت القاضية الإيطالية المجتمع الدولي من أن تعريف كل أعمال عنف تقوم بها قوات غير نظامية بأنها إرهابية ينطوي على مخاطرة قد تعرض حقوق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال" للخطر. فعند الحديث عن الإرهاب يجب العودة إلى تعريف كلمة "الرهبة"الذي ورد في المعجم القانوني لمؤلفه "بلاك" أنها (الرهبة) تعرف على أنها ذعر أو رعب أو فزع أو حالة ذهنية تسببها الخشية من ضرر جراء حادث أو مظهر معاد أو متوعد أو هي خوف يسببه ظهور خطر.".. وهذا ما نجده ضرورياً للتأكيد على أن الإرهاب يعني من ضمن يعنيه قمع وتعذيب وقتل وذبح وترويع السكان المدنيين في أزمنة الحرب والاحتلال والسلم والاستقلال.
وقد كتب الصحافي الإيطالي ستيفانو كباريني في صحيفة المانفيستو ان للأمريكيين مجموعات وفرق خاصة من البحرية الأمريكية (المارينز ) وهي مسلحة ومدربة ومعدة جديا ويمتاز أعضاؤها بوجود وشم على صدورهم،وتقوم الفرقة بترويع وذبح السكان المتعاونين مع المقاومة في الريف العراقي. وفي مثال آخر نعود للمذابح التي ارتكبت في حرب البوسنة والهرسك والتي تعتبر أعمالا إرهابية وجرائم حرب... بسببها يقبع رئيس يوغسلافيا السابق ميلوشيفيتش في سجن محكمة لاهاي لمجرمي الحرب الدوليين.. وسبقه الى هناك مجرمو الحرب من النازيين .. هناك ايضاً تفجير اوكلاهوما فهو عمل ارهابي بامتياز أمريكي وتم في الولايات المتحدة وضد الأبرياء من المدنيين. كذلك هناك تفجيرات 11 أيلول التي هي ايضاً من نفس ذاك الصنف الأوكلاهومي.. كما لدينا سجل حافل بأعمال الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة وجوارها حيث مارس الصهاينة إجراماً و إرهاباً منظماً، وقاموا بأعمال وممارسات بشعة استفاد منها وتعلمها وتبناها الاحتلال الأمريكي والأجنبي في العراق. فهناك يمارس المحتلون كذلك إرهابا ضد السكان المدنيين والمحليين وضد الأسرى والمعتقلين مثلما حدث في سجن أبو غريب... وتبقى قائمة الإرهاب الدولي طويلة جدا لكننا اخترنا منها فقط بعض الأمثلة.. إذن الإرهاب لا لون له ولا دين ولا جنس وليس حكراً على العرب والمسلمين كما يتم تصويره أمريكياً وصهيونياً وبشكل أقل أوروبياً. فهناك الإرهاب البروتستانتي والكاثوليكي المسيحي في ايرلندا وإنكلترا وايطاليا وأسبانيا وفرنسا.كما هناك الإرهاب اليهودي ممثلاً بأعمال الحركات الصهيونية والمستوطنين وحكومة وجيش إسرائيل.
والارهاب لم يكن في يوم الأيام يعني الأعمال المسلحة المشروعة التي تقوم بها الشعوب القابعة تحت الاحتلال الأجنبي. لأن الكفاح المسلح لتلك الشعوب من اجل تحرير أرضها وتقرير مصيرها مشروع ومضمون وتكفله الشرائع الدولية.وإذا نظرنا إلى الأعمال التي مارستها و تمارسها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال والاستيطان والجيش الغازي في فلسطين، والى أعمال المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان سنجدها أعمالاً مشروعة، كما انها تدخل في إطار الدفاع عن النفس والعمل الشرعي من اجل طرد ودحر الاحتلال الغريب الذي بأعماله الإجرامية والعدوانية المتعددة يؤكد على كونه احتلالا إرهابيا.وهذا ايضاً ينطبق على المقاومة العراقية التي تقاتل الاحتلال وجيشه الغازي.
لقد دأب العرب منذ ابتلي وطنهم بالاحتلال الصهيوني في فلسطين ومعهم العالم كله يقولون ويرددون أن المقاومة من الأعمال المشروعة، كما أنها حق من حقوق الشعوب القابعة تحت الاحتلال، وان الغزو لا يستقبل بالورود بل بالمجابهة والتصدي والمقاومة، وبان الاحتلال هو الذي يولد العنف ويصنع الإرهاب.... هذا الكلام لم يحضره العرب من بيوت أهاليهم بل من نصوص وقوانين وقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة، ومعظمه من قرارات ذات صلة بالموضوع.كما أن أعضاء الأمم المتحدة باستثناء الإدارة الأمريكية و كيان إسرائيل أقروا ذلك.وقد ظل الوضع على ما هو عليه حتى فقد العرب حليفهم القوي الاتحاد السوفيتي وصاروا بلا ظهر وعلى حافة القبر وفي القبو.. إذ بعد ذلك صارت إسرائيل تجول وتصول في الغرب والشرق، وصار العرب يبحثون عن مأوى عجزة يستقبلهم، والأهم أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت سيدة العالم الوحيدة وقطبه الأوحد. ومنذ تلك الأيام الحالكة خاصة بعد كارثة احتلال الكويت وما تبعها من كوارث احتلالية واستسلامية جماعية أو شبه جماعية في البلاد العربية، صار قرار غزو واحتلال أي بلد أو إسقاط أية حكومة وأي نظام ورئيس أمراً تبث به الولايات المتحدة، ومن ثم يأخذ شرعيته من الأمم المتحدة ومجلس أمنها التابع للإدارة الأمريكية.وأصبحت الغزوات الحربية والأعمال العدوانية تشرعن وتأخذ قانونيتها من التصويت في مجلس الأمن الدولي، وعبر قرارات تجبر الأمانة العامة للأمم المتحدة على اتخاذها، منتهكة بذلك قراراتها هي نفسها.
بعد الهجمات الدموية في11 أيلول لم يعد الموقف الأمريكي يميز بين الإرهاب والمقاومة. فقد حصرت الإدارة الأمريكية مفهومها للإرهاب في كل ما يمس أمنها وامن إسرائيل. وقد ظهرت العنجهية الأمريكية بابشع صورها فوراً بعد هجمات تنظيم القاعدة يوم 11 أيلول في نفس الولايات المتحدة الأمريكية. حيث قام الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش باستخدام تعابير إرهابية بحتة وواضحة وجلية، مثل تعبير "من ليس معنا فهو ضدنا".. وقد تجلت لهجته بالاستكبار والتهديد والوعيد حتى لدول عظمى مثل فرنسا، وقد خاطب يومها دول العالم دون استثناء مهدداً ومحدداً " ان من لم ينحاز الى صف الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب فإنه ينحاز إلى الإرهابيين ويكون قد اختار مصيره". والغريب أن نفس الرئيس بوش لازال حتى يومنا هذا يجهل التعريف المحدد للإرهاب.
لا بد من التذكير بانه لم يعد هذه الأيام هناك فرق كبير بين ما تقوم به جيوش الولايات المتحدة الأمريكية من أعمال وبين الذي يقوم به جيش الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة. وقد حددت الولايات المتحدة الإرهاب بكل عمل أو عملية تتم ضد المدنيين عن سابق إصرار وتصور وتصميم وبقصد التأثير في الناس وآرائهم.
لكنها نفسها كانت قد ساعدت وساندت معظم الديكتاتوريات الدموية والإرهابية والقمعية في العالم من ماركوس في الفيليبين وبينوشيه في تشيلي وشاه إيران والسادات في مصر والعسكر في حكومات أمريكا اللاتينية، كما أنها حاصرت كوبا ومازالت تحاصرها حتى يومنا هذا.وساندت وأيدت وتحالفت مع المجاهدين العرب في أفغانستان بقيادة أسامة بن لادن وقال الرئيس السابق ريغان عن المجاهدين العرب الأفغان أنهم مثل الآباء المؤسسين لأمريكا..بالاضافة الى ذلك كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد تفننت في إرهاب الشعب العراقي عبر حصاره وتجويعه لعدة سنوات بعد غزو الكويت،ومن ثم شنت الحرب عليه واحتل البلد وقتلت او تسببت في قتل أكثر من مائتي ألف عراقي خلال سنتين. وتاريخ الولايات المتحدة مع الدول الأخرى غني عن التعريف ومخيف، هجمات واعتداءات واحتلال في فيتنام والعراق وأفغانستان وليبيا والسودان. وفي الختام نقول أنها من الدول القليلة في العالم التي تم إدانتها من قبل المحكمة بارتكاب أعمالا إرهابية دولية... فماذا بعد يا ست أمريكا ؟؟؟
فلسطين -الثلاثاء 26 نيسان (أبريل) 2005-