الاسابيع القريبة ستكون ذات أهمية حاسمة في زعامة محمود عباس، وبالنسبة لمستقبل المجتمع الفلسطيني واحتمالات المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية بطبيعة الحال. بعد نجاح أبو مازن الدراماتيكي في انتخابات رئاسة السلطة وتحقيق الاجماع بين كل الفصائل الفلسطينية حول "التهدئة"، توقعوا في الضفة وغزة رؤية نتائج ملموسة لهذه النجاحات. توقعوا فخاب أملهم.
المقصود هنا مجالين اثنين: الاصلاح في اجهزة الأمن والمفاوضات مع اسرائيل. أبو مازن يواجه عقبات كبيرة في كلا المجالين. في الاسبوع الماضي بدأت تظهر أخيرا أنباء أولية حول إحالته الضباط القدامى الى التقاعد وتعيين ضباط شبان بدلا منهم. أبو مازن ووزير داخليته، نصر يوسف، ينويان إحالة كل القادة الذين بلغ عمرهم 60 عاما الى التقاعد وتعدادهم يقدر بألف شخص. لهذا الغرض صد قانون التقاعد الذي يزيد من دخلهم، الامر الذي يعتبر عبئا ماليا ثقيلا على المالية الفلسطينية التي تواجه الآن إضراب المعلمين.
إلا ان المشكلة المالية وإحالة الضباط القدامى الى التقاعد هي مسألة هامشية بالمقارنة مع المشاكل الاخرى. في الايام الأخيرة عُلم بأسماء عدد قليل من أسماء القادة الذين سيُحالون الى التقاعد، فسرعان ما دبت الفوضى في غزة. عشرات الضباط اجتمعوا في القيادة الرئيسية في غزة واحتجوا على الطريقة المخزية التي سلمت لهم فيها بيانات الإقالة. قائمة المُقالين تشمل اشخاصا كانوا قد قاتلوا في صفوف الثورة الفلسطينية منذ اقامة الذراع العسكرية لحركة فتح المسماة بـ "العاصفة" قبل 40 عاما. المجتمعون قالوا ان المُقالين قد كرسوا حياتهم من اجل فلسطين - والآن تصلهم بيانات الإقالة بواسطة الاشاعات والأخبار التي تتناقلها وسائل الاعلام. "يتعاملون معنا باحترام أقل مما يُعاملون به طلاب الثانوية الذين يحصلون على علاماتهم في امتحان الثانوية العام من خلال الصحف"، قال أحدهم. في غزة تطرقوا للجنرال عبد الرزاق المجايدة الذي علم بأمر إقالته من خلال وسائل الاعلام بعد 50 عاما من الخدمة في صفوف فتح.
الاصلاح قد يُضعف حركة فتح أكثر فأكثر قبيل المعركة الانتخابية البرلمانية القادمة، ولكن أبو مازن ملزم بتنفيذ هذه الخطوة. قانون الانتخابات لم يستكمل بعد رغم ان الانتخابات قد تجري بعد أقل من ثلاثة أشهر، والصراعات حول هذا القانون متواصلة. وفي خضم ذلك جاء بيان موسى أبو مرزوق من قيادة حماس في الخارج بأن حركته مستعدة للمشاركة في الحكومة الفلسطينية القادمة والانخراط في المفاوضات السياسية - الامر الذي أثار مخاوف كبيرة جدا في اوساط القيادة الفتحاوية.
أبو مازن وأتباعه يعرفون ان عليهم ان يبرهنوا للجمهور الفلسطيني عن قدرتهم على ادارة المفاوضات بصورة أفضل وتحقيق النجاحات فيها. ولكن ذلك يُدخلهم في ورطة صعبة. اسرائيل تتهمهم بأنهم لا يبذلون جهودا كافية لايقاف الارهاب (استمرار اطلاق النار على غوش قطيف وفرار سجناء الجهاد في طولكرم وضبط مخرب مع عبوة ناسفة بجانب نابلس)، أما هم فيتهمون اسرائيل بأنها لا تتيح لهم المجال للقيام بذلك. قضية المخربين المطلوبين هي نموذج على ذلك. أبو مازن يحاول التوصل معهم الى اتفاقات ودمجهم في الجهاز الأمني الفلسطيني - أما اسرائيل فتواصل ملاحقتهم (حادثتين في نابلس في الاسبوع الماضي).
المطلوبون يطالبون أبو مازن بأن يضمن لهم أولا توقف اسرائيل عن ملاحقتهم كشرط للبدء في التفاوض. أبو مازن لا يستطيع ان يضمن لهم شيئا. وهو يجد ايضا صعوبة في إبراز قدرته على التصادم مع اسرائيل في قضية توسيع المستوطنات والجدار كما يتطلب منه واجبه الوطني. اذا لم يحدث تغيير في هذا الوضع ففرص أبو مازن ليست كثيرة، ولا حتى بالنسبة لاستئناف عملية السلام.
مركز الاعلام الفلسطيني- عن هارتس- 25/4/2005.