لأن العقول الصهيونية واليمينية المتطرفة هي التي تحكم الادارة الأمريكية، فإن أمن اسرائيل يقع على رأس الاجندة التي يديرها النظام العالمي الجديد. دمروا العراق، وها هم يسعون لتدمير سوريا، ويضعون السعودية ومصر وإيران في الاجندة كمراحل لاحقة، فيما بقية المنطقة يجب ان تعمها (الفوضى الخلاقة) التي تجعل من السيطرة عليها وتطويعها بعد ذلك أمرا من نافل القول.

المسؤولون الامريكيون والاسرائيليون يصرحون بشكل متواتر بين فترة وأخرى، ان الهدف وراء ما يفعلونه امران مهمان: أمن اسرائيل وضمان الهيمنة، والنفط العربي بالطبع الذي يتشدقون بمئات العبارات لتحاشي النطق به بشكل مباشر رغم ان شعوب العالم كله تعرف اليوم أن وراء الحملة الامريكية هو الهيمنة على منابع النفط وغايات أخرى، ليتم ضخه من دون عداد وبالمجان كما يفعلون اليوم مع نفط العراق! مستشار الأمن القومي في البيت الابيض (ستيفن هادلي) قال قبل أيام: «إن انسحاباً مبكراً للقوات الامريكية من العراق من شأنه ان يشجع المتطرفين الذين يريدون تدمير إسرائيل»! وأضاف: «اذا ما سادت الحرية في العراق، فإن بلدانا أخرى في المنطقة بما فيها سوريا وإيران، ستتعرض لمزيد من الضغوط للتخفيف من حدة أنظمتها السياسية القمعية، وهذه بشرى سارة لإسرائيل».

وطبعا سيادة الحرية هنا هي حسب المفهوم الأمريكي. والكلام واضح، فيجب ان تتخلص المنطقة من كل مقاومة سواء رسمية او شعبية، لكي يصفو الحال لاسرائيل، وتواصل غاياتها وأهدافها المعلنة منذ أن بدأت الحركة الصهيونية والمطلوب ان تمهد الأرض العربية لذلك، وان يتم تنصيب (قرضايات) عدة على رأس النظم في المنطقة، لكي لا يعود أي صوت أو حس او نفس، يفكر في مقاومة لا الهيمنة ولا الاحتلال ولا العبث بأمن واستقرار الدول العربية تحديداً. فمن أجل عيون إسرائيل والأهداف الامبريالية الاخرى، فليتدمر العالم كله، وليذهب أمنه واستقراره الى الجحيم، فذلك ما لا يهم الادارة الامريكية التابعة للعقول المتطرفة، لسبب عنصري اكثر بساطة في نظرهم من أي شيء، وهو ان العالم كله يجب أن يكون متوافقاً مع رؤاهم واستراتيجياتهم المتطرفة والمتعطشة دائماً للتدمير وللحروب.

كل تصريحاتهم تدل على ذلك، ماعدا أنهم يحاولون إخراجها بسيناريوهات لم تعد تنطلي على أحد، حتى التابعين لهم، ولذلك فإن السؤال هو: لماذا كل هذا الجهد وتضييع الوقت في تحسين صورة تلك الاهداف، وهي تتلطخ يوماً بعد يوم، بدماء الشعوب المستهدفة، حتى أصبحت المسرحية الدولية عن طريق الأمم المتحدة، مجرد مسرحية فاقعة في رتابتها وهشاشتها، مثل الذي حدث للعراق بحجة اسلحة الدمار الشامل، ومثل الذي يحدث اليوم لسوريا بحجة اغتيال الحريري؟ ويبدو ان كلام الرئيس الايراني حول زوال اسرائيل الذي اثار الغضبة الكبرى لدى كل الدول الكبرى، والصغرى الدائرة في فلكها، يضع المواطن (في العالم) أمام اختيار يفضل فيه ألا يزول العالم، بل يزول الخطر الذي يهدد العالم باسم المحافظة على أمنه، وهو ما سيتكشف يوماً بعد يوم مع استمرار العبث بأمن واستقرار هذا العالم لحساب دولة لقيطة، ولحساب أهداف استعمارية وامبريالية من المفترض ان الزمن العالمي لن يتكيف معها الى ما لا نهاية بعد انتهائها كحقبة ماضوية! - (التجديد العربي 6 تشرين الثاني 2005) -